بسم الله الرحمن الرحيم
ملخص درس تفسير القرآن الكريم للحافظ ابن كثير
الدرس الخامس
ألقى هذا الدرس استاذتنا : " ام أيمن "
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله تعالى من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادى له واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون ، اللهم صلى على محمد وعلى اله وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين...
اما بعد:
توقفنا فى الدرس الماضى عند قوله تعالى ( واتل ما اوحى اليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا )
(واتل ما اوحى اليك من كتاب ربك ) هنا يأمر الله تعالى رسوله الكريم بتلاوة الكتاب العزيز والأمر بالتلاوه يأتى على معنيين :-
الأول :- ان التلاوه بمعنى القراءه كما فى قوله تعالى ( انما امرت ان اعبد رب هذه البلدة الذى حرمها وله كل شئ وامرت ان اكون من المسلمين وان اتلوا القرءان ) سورة النمل ، وكذلك فى قوله تعالى ( وان اتلوا القرءان فمن اهتدى فانما يهتدى لنفسه ومن ضل فقل انما انا من المنذرين ) سورة النمل..
الثانى :- ان التلاوه بمعنى الاتباع كما فى قوله تعالى ( ان الذين يتلون كتاب الله واقاموا الصلوة وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ) سورة فاطر، هنا التلاوه تعنى الاتباع اى انهم يعملون بما جاء فى القران الكريم ويتبعونه..
س : كيف عرفنا ان التلاوه فى الآيه الأولى تعنى القراءه وهنا تعنى الاتباع ؟ج : نلاحظ فى الآيه الأخيره ان قوله تعالى ( اقاموا الصلوة وانفقوا ) جاء بعد كلمة ( يتلون كتاب الله ) فجاء بعد التلاوه ذكر اهم العبادات واجل الأعمال الصالحه وهى الصلاه وايتاء الزكاه ، وهذا يدل على ان معنى التلاوه هنا هو الاتباع لكتاب الله وما جاء فيه..
اذا قراءة القران هى قربى لله - جل وعلا - وعباده من اجل العبادات ومن اعظم الطاعات وقد بين النبى اجر هذه القراءه ووضع لنا كثرة الأجر بعدد حروف القران فقال صلى الله عليه وسلم " من قرا حرفا من كتاب الله فله به حسنه والحسنه بعشر امثالها لا اقول الم حرف ولكن الف حرف ولام حرف وميم حرف " ولكن مجرد التلاوه وترديد الألفاظ بدون اتباع لا يغنى شيئا ، اذا قراءة القران يجب ان تكون بتدبر وحضور قلب حتى يكون حجة لنا لا علينا " رب قارئ للقران والقران يلعنه " ..
( لا مبدل لكلماته ) ما معنى الكلمات هنا ؟
قيل فى تفسير الكلمات ان لها معنيان :
الأول : ان الكلمات قد تاتى بمعنى الوعد او الوعيد فمن تلا القران وعمل به واتبعه فان الله تعالى قد وعده بالهدى والجنه اما من اعرض عنه فلا تشغل بالك به يا محمد فان الله قد توعده بالخزى فى الدنيا والعذاب فى الاخره..
والمعنى
الثانى ل(كلماته) فى قوله تعالى (لا مبدل لكلماته) هو:
وقيل ان الكلمات قد تكون هى كلمات القران الكريم نفسه فيقصد الله تعالى ان لا مبدل لكلمات الله ولا مغير لها لأن الله عندما انزل القران الكريم توعده بحفظه (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ) ...
( ملتحدا ) الملتحد يعنى الموئل والملجأ والمكان الذى يلجأ اليه الانسان فيهرب فيه اى انك يا رسول الله لو تقولت على ربك او غيرت او بدلت لعذبك ولن تجد من دون الله ملجأ ولكن رسول الله كان امينا وكان يقول " ألا تأمنونى وانا أمين من فى السماء " فان الله قد ائتمنه على وحيه حيث قال ( الله يعلم حيث يجعل رسالته )..
( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشى يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحيوة الدنيا ) يقال ان هذه الآيه نزلت فى اشراف قريش حيث طلبوا من النبى ان يجلس معهم وحدهم ولا يجالس معهم الفقراء كأمثال بلال وعمار وصهيب وخباب وكان اتباع الرسل دائما من الضعفاء والفقراء وهذه سنة الله فى اتباع الرسل انهم من الضعفاء والفقراء والمساكين لهذا نلاحظ انه عندما ارسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتاب الى هرقل ملك الروم يدعوه للأسلام طلب هرقل ان يأتوه بمن فى البلاد من العرب ليسأله عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكان فى ذلك الوقت ابو سفيان فى قافله تجاريه فى بلاد الروم فجئ به الى هرقل فسأله اسئله كثيره عن رسول الله وهذه مذكوره فى حديث طويل فى كتاب بدء الوحى فسأل هرقل ابا سفيان اسئله كثيره كان احد هذه الأسئله : أفقراء الناس يتبعونه ام أغنيائهم ؟ قال بل فقراءهم ، وبعد ان انتهى من اسئلته بدأ يعلل عن سبب كل سؤال فقال هرقل : سألتك افقراء الناس يتبعونه ام اغنيائهم فقلت فقرائهم وهم اتباع الرسل ، الشاهد هنا من هذه القصه هو انه سنة الله فى اتباع الرسل جميعا ان يكونوا من الفقراء والضعفاء والمساكين ..
فنزل قوله تعالى ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشى يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحيوة الدنيا ) فنهى الله - عزوجل - رسوله- صلى الله عليه وسلم - عن طاعه هؤلاء المتكبرين الذين يريدون الا يجلس النبى الا معهم وهنا نفهم من هذه الآيه ان الناس لهم قيم وموازين يزنون بعضهم ويقيمون بعضهم بعضا ولكن للأسف هذه القيم قيم دنيويه فكانوا يقيمون الناس بكثرة المال والولد وعظمة الجاه والسلطان فكان عندهم من كان كثير المال والولد كان له مكانه عظيمه وعلى العكس من ليس له ولد ولا مال كان ضعيفا لا يأبه له الناس ولا يسمعون له ، قال تعالى (يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكروانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ) فى هذه الآيه يوضح الله تعالى ان ميزانه التقوى وليس كثرة المال ولا الولد ولا السلطان وظل صلى الله عليه وسلم يعمل جاهدا لابطال هذه القيم وترسيخ القيم والموازين الثابته الصحيحه ويقال انه كان جالسا وعنده رجل اذ مر بهما رجل فقال النبى "ماذا تقول فى هذا الرجل " فقال الرجل : هذا من اغنياء الناس هذا والله حرى ان خطب ان ينكح وان شفع ان يشفع وان قال ان يسمع فسكت النبى حتى مر بهما رجل اخر فقال لجليسه " ما تقول فى هذا " قال يا رسول الله هذا رجل من فقراء الناس هذا والله حرى ان خطب الا ينكح وان شفع الا يشفع وان قال الا يسمع فأشار النبى الى الرجل الفقير وقال : هذا خير من ملئ الأرض من هذا ، لماذا فضل النبى الفقير على الغنى؟ لأن الله - عزوجل - لا يزن الناس ولا يقيمهم بالغنى والمال والولد ولا بالجاه والسلطان ( ان اكرمكك عند الله اتقاكم )..
( واصبر نفسك ........) الصبر فى اللغه : الحبس ، فأمر الله رسوله الكريم ان يحبس نفسه مع هؤلاء الفقراء والمساكين فهم مخلصون لله - جل وعلا - ولا يقصدون اى عرض دنيوى وانما كانوا فقط يريدون وجه الله ،
(ولا تعد عيناك عنهم ) هنا يأمر الله - عز وجل - نبيه الا يلتفت بعينه الى هؤلاء وما معهم من الجاه والسلطان والولد فكل ذلك من زينة الحياة الدنيا والتى هى الى زوال والى فناء فأمرنا الله - جل وعلا - بذكره وطاعته والتسبيح بحمده ولكن هؤلاء الأغنياء اعرضوا عن ذكر الله وعطلوا حواسهم عن استخدامها فى ذكر الله وفيما خلقت من اجلها فعاقبهم الله بأن اغفل قلوبهم عن ذكره ، فهم غفلوا عن ذكر الله واتبعوا الهوى واتباع الهوى يفضى الى الهلاك والخسران والضياع .
(وكان امره فرطا ) اى اهلاكا وضياعا وخسارا والهوى من اعداء الايمان فعلينا ان نحذر من اتباع الهوى ، اذا علينا ان تكون موازيننا بين الحين والآخر على الكتاب والسنه..
( وقل الحق من ربكم...) يأمر الله نبيه فى هذه الآيه ان يوضح لأشراف قريش ان الله تعالى اعطاه الحق اى يا رسول الله عليك بالبلاغ ولا تهتم بمن اعرض عنك ولا تعرض عمن اقبل عليك لكن من اقبل عليك فأقبل عليه ومن اهتم بك فاهتم به وما عليك الا ان تصدع بالحق الذى اوحاه الله اليك ،
(وقل الحق) الحق هنا اما ان يكون فاعلا لفعل محذوف تقديره قد جاءكم الحق من ربكم او ان يكون خبرا لمبتدأ محذوف تقديره هذا الذى اتلوه عليكم أوما جئتكم به هو الحق من ربكم ،
( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) اى بعد سماع الحق وسماع القران وبلوغ الحجه فعليكم الاختيار لا اكراه فى الدين لأنه قد تنين الرشد من الغى ، ولكن هذه الآيه قد خرجت على مخرج ترغيب وترهيب وتخويف وتهديد اى معناها اننا مجازون المؤمن بايمانه خيرا ومجازون الكافر بكفره شرا كما فى قوله تعالى (اعملوا ما شئتم انه بما تعملون بصير)...
(انا اعتدنا للظالمين نارا احاط بهم سرادقها ...) يبين الله تعالى جزاء الكافرين فى هذه الآيه ،
(اعتدنا ) فعل ماضى اى ان النار قد اعدت ووجدت وخلقت فهى الان موجوده وكذلك الجنه
لذا قال الامام الطحاوى - رحمه الله - عندما شرح عقيدته المشهوره العقيده الطحاويه قال فيها : والجنه والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدا ولا تبيدان ...(للظالمين) المراد هنا بالظالمين هم المشركون والكافرون ،
( أحاط بهم سرادقها ) اى احاطت النار بأهلها من جميع الجهات السته من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ومن اسفل منهم ، والسرادق هو السور ،
( وان يستغيثوا ) اى واذا طلبوا الغوث ، بماذا يغاثون؟ يغاثون بماء كالمهل اذا اقترب من وجوههم سقط لحم وجوههم من بخار الماء والعياذ بالله ، ويقول هنا عن ابى سعيد الخدرى ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " لسرادق النار أربعة جدركثافة كل جدار أربعين سنه " ، وقال ابن عباس
(أحاط بهم سرادقها ) اى حائط من النار،
(المهل) قال ابن عباس المهل هو الغليظ الذى هو كالدم والقيح وقال مجاهد هو الدم والقيح ،
(بئس الشراب وساءت مرتفقا ) قال ابن عباس اى ساءت منزلا..
ينتقل الله - عزوجل - الى جزاء المؤمنين فقال تعالى
(ان الذين ءامنوا وعملوا الصالحات انا لا نضيع اجر من احسن عملا ) احسان العمل لا يكون الا بالايمان التام فى القلوب والعمل الصالح بالجوارح فعن عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه - يقول انه بلغه ان رجالا اجتمعوا فى حلقه وبين ايديهم حصى وفى وسطهم رجل يقول سبحوا مائه فيسبحون مائه ثم يقول احمدوا مائه فيحمدون مائه ثم يقول هللوا مائه كبروا مائه وهكذا فلما بلغ هذا الامر عبدالله بن مسعود قال لهم : أأنتم اهدى من محمد وصحبه او مفتتحوا باب ضلاله؟! انتم تعملون عملا لم يعمله محمد واصحابه فاما ان تكونوا اهدى من محمد وصحبه وهذا لا تزعمونه والا كنتم مفتتحى باب ضلاله ، فقالوا له يا ابا عبد الرحمن : ما أردنا الا الخير فقال لهم : وكم من مريد للخير لم يبلغه ، وقال القول الموافق لقول المسيح : يا ايها الناس عدوا سيئاتكم وانا ضامن الا يضيع الله من حسناتكم شيئا اى ان المؤمن اذا اجتهد فى صالح العمل لا يعد صالح عمله لأن الله تعالى سيحفظ الأعمال الصالحه للمؤمنين وعلينا ان نعد العمل السئ ،
لماذا ؟ لأننا اذا اعددناها فلا ننساها فنراها يوما كأنها كالجبال نخاف ان تقع علينا فنبتعد عنها ..
( اولئك لهم جنات تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها...) اى لهم جنات اقامه وجنات خلود لا يبغون عنها حولا ولا هم عنها بمخرجين تجرى من تحتهم الانهار، انهار من ماء غير ءاسن وانهار من عسل مصفى وانهار من لبن لم يتغير طعمه وانهار من خمر لذة للشاربين كما وصفها الله - عزوجل - فى سورة محمد ،
(...يحلون فيها من اساور من ذهب ) يعنى ان اهل الجنه يحلون فى الجنه من اساور من ذهب واهل الجنه المقصود بهم الرجال والنساء فالرجال محرم عليهم فى الدنيا لبس الذهب والحرير فمن استجاب لله فى الدنيا بترك الذهب والحرير يكافؤه الله بلبسه فى الجنه ،
(... ويلبسون ثيابا من سندس واستبرق ) هو نوع من لباس اهل الجنه ،
(...متكئين فيها على الارائك ) الاتكاء هو خلو البال وصفاء المزاج ،
(...نعم الثواب وحسنت مرتفقا ) اى منزلا...
الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات