الشيخ أبوالبراءالأحمدى المدير العام
عدد المساهمات : 50 تاريخ التسجيل : 03/04/2008
| موضوع: التوسل والوسيلة الخميس 03 أبريل 2008, 6:23 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد الأحد ، المُنزَّه عن الشريك والولد ، وصلى الله على محمد النبى أفضل من عبد ، وأفضل من ركع لله وسجد ، أمره ربه بالتوحيد فكان خير الموحدين ، وأمرنا ربنا باتباعه فنسأله سبحانه وبحمده ،أن نكون ممن عبده فوحَّده ، اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، وبعد فإنى وقفت عند موضوع اعتصر له قلبى أسى وحزنا ، رجل يريد أن يجعل فى دين الله ما ليس فيه ، وهذا يبين لنا سفها فى العقل ، وجهلا فى العلم ، وشكا فى الدين ، وحسبنا الله ونعم الوكيل . ومن هنا أثبت فخرى واعتزازى بكل من انبرى لهذه الفرية ، ولا ألوم الشدة فى هذا الموطن فهو موطنها ، ولكنى ألوم الميوعة والتقزُّم بمعنى التقريب ، وحسبنا الله ونعم الوكيل . وأقول لمن أراد طريق الله المستقيم ، يا من تريد طريق الحق اتبع الحق ، ولا تركن إلى المضللين ، واتبع عباد الله السالكين دروب العلم بفهم ويقين ، ويملكون الدليل بالحجة والبرهان ، وأقول لمن اتبع هواه فأضله الله على علم ، اعلم أن وقتنا ثمين ، إن أردت ضياعه فقد أتعبت نفسك ، فلن يضيع إن شاء الله ، فإنا نسير فى طريق الجنة وليس لنا فى هذا الطريق إلا الحرص عليه ، ورغم حدة سيوفنا فى الحق ، وقوة حجتنا بالدليل والبرهان ، وقدرتنا على إلهاب ظهر المضللين بقوة سياط عقيدتنا ، إلا أنه لا وقت عندنا للخوض فى ظلمات الجهل وحديث الجهلاء . فمن أراد الخير والحق فليتجول معى فى رياض هذه المسألة : حتى يعرف معنى التوسل والوسيلة ، وما ينبغى له فعله تجاه ذلك : فالتوسل لغة : التقرب والتوصل إلى المطلوب المرغوب . أما الوسيلة : فهى القربى والواسطة التي يتقرب ويتوصل بها إلى تحصيل المطلوب المرغوب . والتوسل نوعان : توسل شرعى ، وتوسل بدعى شركى . والتوسل الشرعى أنواع أربعة : النوع الأول : التوسل إلى الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العليا . فعلى الداعى إذا دعا أن يدعوا باسم من أسماء الله تعالى أوصفة من صفاته كأن يقول : اللهم إني أسألك بأنك أنت الرحمن الرحيم أن تعافيني ، أو يقول : اللهم إنى أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي وترحمني ، ويُشرَّع أن يقول الداعي : يا كريم أكرمنى ، يا غفور اغفر لي ، يا رحيم ارحمني ، فقد قال الله تعالى : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} سورة الأعراف . قال مقاتل فى سبب نزولها : أن رجلاً دعا الله في صلاته ، ودعا الرحمنَ ، فقال أبو جهل : أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون رباً واحداً ، فما بال هذا يدعو اثنين ؟ فأنزل الله هذه الآية . راجع زاد المسير لابن الجوزىوكما عند السيوطى بسند حسن من حديث أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلمإذا نزل به هم أو غم قال : { يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث } . النوع الثانى : التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بالإيمان والعمل الصالح : فيمكن أن يتقرب المتوسل إلى الله بتوحيده سبحانه وبحمده ، وإيمانه به ، ومحبته ، وتعظيم أمره ونهيه ، وكذا إيمانه برسوله صلى الله عليه وسلم ، وطاعته ، ومحبته ، واتباعه وتوقيره ، ومحبة أولياء الله ، ومعاداة أعدائه ، والتوسل بذلك على وجهين : الوجه الأول : أن يتوسل بذلك إلى حصول رضاء الله وجنته . والدليل قول الله تعالى : { رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ(53)} سورة آل عمران ، وقوله تعالى : { الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16)} سورة آل عمران . الوجه الثانى : أن يتوسل بذلك إلى إجابة الدعاء . فكان دعاء يونس عليه السلام : { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)} سورة الأنبياء فقال الله تعالى : {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) } . وأدعية الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة فى الغار حيث قالوا : { إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم } والحديث بتمامه عند البخارى ومسلم . والحاصل أنهم لما توسلوا إلى اللّه بصالح أعمالهم ، فرَّج اللّه عنهم فخرجوا يمشون . النوع الثالث : التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح شرط أن يكون حىٌّ حاضر: فلا بأس أن يُطلب من الرجل الصالح الحي الحاضر أن يدعو الله له ، ومن ذلك توسل الصحابة إلى الله بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته ، ،فكما عند البخارى من حديث أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب كان إذ قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال : " اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ". قال فيُسقون . ومن ذلك توسل الناس بشفاعته صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، فكما عند أبى داود بسند صحيح من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا سيد ولد آدم وأول من تنشق عنه الأرض وأول شافع وأول مشفع " . النوع الرابع: التوسل إلى اللّه تعالى بإظهار الضعف والحاجة والافتقار إليه وحده لاشريك له ، كما قال أيوب عليه السلام حينما أصابه المرض: { أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) } سورة الأنبياء . فكانت الإجابة من ربه سبحانه وبحمده : {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) } سورة الأنبياء والتوسل البدعى الشركى : وكونه بدعى شركى : أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر به ، ولم يدع الناس إليه ، ولم يعده من القربات ، وإنما جعله المتأخرون من الصوفية والمعتزلة ومن تابعهم من أعظم القربات . كما أن الصحابة لم يتوسلوا إلى الله بهذا النوع من التوسل ولا التابعين ولا تابعيهم . بل الثابت عنهم هو عدولهم عنه إلى التوسل المشروع ، فلما لم يرد له ذكر في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا عمل الصحابة والتابعون به . دل على عدم مشروعيته وابتداعه . هو ما يقوم به بعض الجهلاء من توسُّلات لم تثبت بدليل صحيح ، وإنما تكون عن جهل فى العلم ، وقلةٌ فى المعرفة ، واتباع لهوى النفس ، مثل التوسل بأى شخص أيا كان قدره ودرجته ، وهذا التوسل غير مشروع ، ولهذا كان الصحابة - رضي الله عنهم - لما التحق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى عدلوا عن التوسل به ، فكان مامر معنا من توسل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – بالعباس - رضي الله عنه - وهذا دليل على أن التوسل أولا كان بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم بدعاء عمه العباس ، ولو كانوا يسألون الله سبحانه وتعالى بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم لما عدلوا عن ذلك ، لأن جاهه صلى الله عليه وسلم أعظم من جاه العباس ، وجاهه صلى الله عليه وسلم لم ينقطع بوفاته . فتوسُّلُ المُتوسِّل بقوله : " أسألك يا الله بحق فلان " فهو محذور من وجهين : الوجه الأول : أنه قسَمٌ بغير الله وهذا لا يجوز . فالتوسل إلى الله عز وجل بجاه الأنبياء والصالحين ومكانتهم ومنزلتهم عند الله ، مُحرَّم ، بل هو من البدع الشركية المحدثة ، لأنه توسل لم يُشرِّعه الله عز وجل ولم يأذن به . قال تعالى : { قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59)} سورة يونس . ولأن جاه الصالحين ومكانتهم عند الله إنما تنفعهم هم ، كما قال الله تعالى : { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) } سورة النجم ، ولذا لم يكن هذا التوسل معروفا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقد نص على المنع منه وتحريمه غير واحد من أهل العلم . فقال أبو حنيفة رحمه الله : يُكره أن يقول الداعي : أسألك بحق فلان أو بحق أوليائك ورسلك أو بحق البيت الحرام والمشعر الحرام } . الوجه الثانى : أنه يدل على أنه يعتقد أن لأحد من المخلوقين على الله حقا ، والأصل فى عقيدتنا أنه ليس لأحد على الله حق ، إلا ما أحقه سبحانه على نفسه نِعمةً منه وفضلا ، وإذا كان لأحد على الله حق أحقه على نفسه بوعده الصادق فهو خاص لصاحب الحق وليس لغيره ، وليس من الدين إذا دعى الداعي بقوله : " يا رب لكون فلان من عبادك الصالحين أجب دعائي " فلا يجوز لأحد ذلك ، وإنما هو من الاعتداء على الله في الدعاء ، وقد قال تعالى : { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) } سورة الأعراف . الخلاصــــــــة : اعلم رحمنى الله وإياك أن الدعاء من أعظم أنواع العبادة كما تقدم ، والعبادة مبناها على الاتباع لا على الابتداع . هذا مذهبنا نحن أهل السنة والجماعة ، وأُحذر عموم الأمة من المخالفين المتضادين مع عقيدتنا عقيدة السلف الصالح للأمة فإنهم يوردون بعض الشبهات والاعتراضات في باب التوسل ، ليوهموا عوام المسلمين على أن ما ذهبوا إليه صحيح ، كاستنادهم بقول عمر فى أمر التوسل بالعباس ، وهذا الحديث بنصه هو الدليل الواضح البين على جهالتهم وسفاهتهم ،إذ كيف يحتجون به وهو ضدَّ دعواهم ، فاحتجاهم به أصل من أصول أدلتنا على بطلان دعوى التوسل عندهم ، ولا تخرج شبهات هؤلاء عن أحد أمرين : الأول : إما يوردون أحاديث ضعيفة أو موضوعة يستدلون بها على ما ذهبوا إليه ، وهذه السبيل تفضح زيغهم وضلالهم ، فقد فضح علماء الحديث أمرها وما تركوا شاردة ولا واردة فى مثل هذه الأحاديث إلا وأصَّلوها وبينوا عدم صحتها ، ومن ذلك :{ توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم } ، وفى رواية { إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم } وهذا حديث باطل لم يروه أحد من أهل العلم ، ولا هو في شيء من كتب الحديث وقال شيخنا العلامة الألبانى فى السلسلة الضعيفة والموضوعة جـ1 / ، 76أنه حديث باطل لا أصل له . وكقولهم : { إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور } ، وفى رواية :{ إذا أعيتكم الأمورفاستغيثوا بأهل القبور } ، وهو حديث مكذوب مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق أهل العلم . وكقولهم : { لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه } ، وهو حديث باطل يدل على نزعة الشرك عند المنتسبين لدين الإسلام ، وضعه لهم بعض أسيادهم من المشركين . وكقولهم : { لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي ، فقال : يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه ؟ قال : يا رب لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك ، فقال : غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك } ، وهذا حديث باطل لا أصل له ، وكقولهم بأن الله قال لنبيه : { لولاك ما خلقت الأفلاك } . وهذا الحديث رواه الحاكم فى مستدركه وتتبعه الذهبى بقوله : هذا الحديث موضوع . فمثل هذه الأحاديث المكذوبة والروايات الملفقة التى لاأصل لها ، لا يجوز لمسلم أن يلتفت إليها فضلا عن أن يحتج بها ويعتمدها في دينه ، فانتبهوا ياعباد الله . اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه اللهم آمين | |
|