size=24]color=bl
]بسم الله الرحمن الرحيم
ملخص درس تفسير القرآن الكريم للحافظ ابن كثير
الدرس الثالث
ألقى هذا الدرس استاذتنا : " ام أيمن "
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله تعالى من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادى له واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون ، اللهم صلى على محمد وعلى اله وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين...
اما بعد:
فقد توقفنا فى الدرس الماضى عند قوله تعالى
(وربطنا على قلوبهم ...) فهؤلاء الفتيه عندما استدعاهم الملك وحضروا بين يديه لم يخافوا ولكن الله عز وجل ربط على قلوبهم وثبتهم فلم يدخل قلوبهم اى شئ من الخوف والمهابه فقالوا
(ربنا رب السموات والأرض لن ندعوا من دونه الها لقد قلنا اذا شططا) فقد اعلنوا للملك دعوتهم صريحه وصرحوا بمعتقدهم ، ويلاحظ فى قولهم ( ربنا رب السموات والأرض لن ندعوا من دونه الها لقد قلنا اذا شططا) انهم جمعوا هنا بين توحيد الربوبيه وتوحيد الألوهيه فاذن توحيد الربوبيه يستلزم توحيد الألوهيه .
(لن ندعوا من دونه الها ) لن : نفى التأييد اى لا يقع منا هذا ابدا فلو قلنا ان هناك الها غير الله او ان هناك الها مع الله فقد قلنا اذا شططا اى كذبا وباطلا وبهتانا ، فالشطط فى القول هو البعد فيه اى البعيد عن الحق وعن الصواب ،
(هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه الهه لولا يأتون عليهم بسلطان بين)اى هؤلاء قومنا اتخذوا الهة من غير الله هلا اقاموا دليلا واضحا على صحه ما ذهبوا اليه عندما اتخذوا غير الله الهة ،
(فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا) اى هم ظالمون كاذبون ، فلما تبرأ الفتيه مما يعبد قومهم اثبتوا ولاءهم لله ، ويقال ان ملكهم عندما دعوه الى الايمان بالله لما وقفوا بين يديه ابى عليهم وتهددهم وامرهم بنزع لباسهم الذى كان عليهم من زينه قومهم واجلهم لينظروا فى امرهم لعلهم يرجعون عن دينهم الذى كانوا عليه وكان هذا من لطف الله -عزوجل- بهم فانهم فى تلك المهله توصلوا الى الهروب والفرار بدينهم من الفتنه ، والفرار بالدين مشروع عند وقوع الفتن كما بوب البخارى - رحمه الله - فى كتاب الايمان باب : من الدين الفرار من الفتن ، والفتن جمع فتنه وهى ما يصرف الانسان ويفتنه عن دينه وهى فى الشرع تعنى الشرك لقوله تعالى (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنه ويكون الدين كله لله) ويكون الفرار هو الحل الأخير لحفظ الدين عندما تنعدم الوسائل وقد فعل هذا بعض الصحابه ومنهم سعد ابن أبى وقاص - رضى الله عنه - وهو اول من رمى بسهم فى سبيل الله ، خامس خمسه فى الاسلام ، مقاتل من الطراز الأول ، فعندما وقعت الفتنه فى عصره راى انه من الأسلم لدينه ان يخرج من وسط الناس فبنى له دارا فى وسط العقيق بطرف المدينه واتخذ اغنما وشاها وكسر سيفه الذى طالما قاتل به فى سبيل الله واتخذ سيفا من خشب يرعى به الغنم وقد قال له ابنه عمر بن سعد : الناس يتقاتلون على الملك بين الشام والعراق وانت صاحب رسول الله ترعى غنما وابلا ، فقال سعد : سمعت النبى - صلى الله عليه وسلم - يقول "ان الله يحب العبد التقى النقى الخفى" .....
وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - "يوشك ان يكون خير مال احدكم غنما يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن" وقد اختار الله - عزوجل- لهؤلاء الفتيه الفرار بدينهم كما فى قوله تعالى
(واذ اعتزلتموهم وما يعبدون الا الله فأوا الى الكهف) اى مادمتم اعتزلتم قومكم بأرواحكم وقلوبكم وتبرأتم منهم ومن معتقداتهم الباطله فاعتزلوهم ايضا بأبدانكم ،
( ينشر لكم ربكم من رحمته) اى يبسط عليكم رحمته ويستركم من قومكم ويهئ لكم من امركم رشدا...
وقد قلنا سابقا ان الله -عزوجل- القى النوم على هؤلاء الفتيه وحفظهم عندما دخلوا الى الكهف ،
كيف؟ قال تعالى
(وترى الشمس اذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين واذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم فى فجوة منه) فقد حبس الله عنهم الأصوات فناموا نوما ثقيلا حتى لا يستيقظوا الا فى الأجل الذى سماه الله وفى الوقت الذى حدده سبحانه وتعالى ، وقيل ان الفتيه لم يأووا الى ركن من اركان الكهف ولا الى زاويه من زواياه وانما ناموا فى وسطه وفى مدخله ليكونوا قريبين من الهواء فكانت الشمس اذا طلعت امرها الله ان تحيد عنهم ذات اليمين واذا غربت تقرضهم ذات الشمال ،
لماذا؟ ان الله -عزوجل- كانت له حكمه فى ذلك فأراد ان يحفظ ابدانهم فكانت الشمس تزاور ذات اليمين استجابه لأمر ربها واذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم نائمون استجابه لأمر ربها ايضا ، وكان الله سبحانه وتعالى يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال على هذا الجنب تاره وعلى ذاك الجنب تارة اخرى لأن الأرض تأكل الجسد الذى لامسها ونام عليها سنين طويله... وقال ابن عباس
تقرضهم) اى تتركهم ،
(وهم فى فجوة منه) اى فى متسع منهم داخلا بحيث لا تصيبهم حرارة الشمس ، وقيل انهم عندما ناموا كانت اعينهم مفتحه وقد ذكر بعض اهل العلم انهم لما ضرب الله على ءاذانهم بالنوم بقيت اعينهم مفتحه غير منطبقه لئلا يسرع اليها البلى لهذا قال الله (وتحسبهم ايقاظا وهم رقود) ويقال فى هذه النقطه ان الذئب عندما ينام يفتح عينا ويطبق عينا ثم يفتح هذه ويغلق تلك وهو راقد وقال احد الشعراء فيه :
ينام باحدى مقلتيه ويتقى بأخرى الرزايا فهو يقظان نائم
وهكذا كانوا فتيه الكهف..
وكان الله سبحانه وتعالى يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال على هذا الجنب تاره وعلى ذاك الجنب تارة اخرى لأن الأرض تأكل الجسد الذى لامسها ونام عليها سنين طويله...
(وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) اى حارس لا يدخل احد عليهم وقيل
(الوصيد) هو الباب ومنه قوله تعالى" انها عليهم مؤصده" اى مطبقه مغلقه ، وقد ربض كلبهم على الباب- كما جرت به عادة الكلاب- يحرسهم وهذا من سجيه الكلب وطبيعته وقيل ان جلوسه كان خارج الباب لأن الملائكه لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صوره ولا جنب ولا كافر كما جاء فى الصحيح ، ونلاحظ هنا - سبحان الله - الكلب كيف ذكره الله فى كتابه العزيز وهو كلب لا قيمة له ومن اخسأ المخلوقات والحيوانات ولكن عندما حرص على صحبة اهل الذكر واهل العقيده والايمان صار له ذكرا فى كتاب الله العزيز اى انه حصل على شرف الصحبه الصالحه وشرف مصالحه ومجالسه الصالحين .
(لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا) اى ان الله تعالى القى عليهم المهابه بحيث لا يقع نظر احد عليهم الا هابهم وهذه من حكمة الله حتى لا يقربهم احد ولا يدنو منهم احد ولا تمسهم يد حتى يبلغ الكتاب اجله وتنقضى رقدتهم التى شاء الله تعالى فيهم ،
(وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم) لما استيقظوا من رقدتهم قاموا يتساءلون بينهم :
كم لبثتم ؟ فنظروا الى الشمس ووجدوها تميل للغروب وتذكروا انهم لما دخلوا الكهف كان بعد طلوع الشمس اى فى اول النهار فقالوا لبعضهم لبثنا يوما او بعض يوم...وهنا اود ان اوضح معنى كلمه ( الحزبين) التى ذكرت فى الايه الثانيه عشر من هذه السوره الكريمه فقد اختلف فى معناها على قولين فقيل ان الحزبين هم اهل الكهف انفسهم حيث انهم لما قامول انقسموا فيما بينهم واختلفوا فى المده التى قضوها ، وقيل ان الحزبين هم اهل المدينه حيث انهم اختلفوا وانقسموا الى حزبين فى مدة مكث اهل الكهف فى كهفهم...
ثم قال قائل منهم - اى من اهل الكهف - هذا الكلام لا ينفعكم وفوضوا الأمر لله فلا تنشغلوا عما ينفع بما لا ينفع ، وكانوا عندما قاموا من رقدتهم يحتاجون الى طعام فقال احدهم
(فابعثوا احدكم بورقكم هذه الى المدينه فلينظر ايها ازكى طعاما فليأتكم برزق منه) الورق يقال انها الفضه وهى عملتهم وكانوا يتعاملون بها ، وقيل هنا فى معنى
(أزكى طعاما) انهم اوصوه ان يأتى لهم بطعام طيب ومذبوح على الطريقه الاسلاميه غير مخنوق كما امروه ان يتخفى عن الناس فى سيره ودخوله وخروجه وذلك فى قولهم
(وليتلطف ولا يشعرن بكم احدا) ،
لماذا قالوا ذلك؟ لأنهم كانوا يخافون ان يرجع اليهم قومهم ويفتنوهم عن دينهم وذلك فى قوله تعالى
(انهم ان يظهروا عليكم يرجموكم او يعيدوكم فى ملتهم ولن تفلحوا اذا ابدا) يرجموكم : اى يقاتلوكم ، او يفتنونكم عن دينكم ويردوكم الى دينهم الذى يعبدون فيه الآلهه ..
وهكذا نلاحظ كيف كان اهل الكهف يتواصون فيما بينهم بالثبات على الدين الذى هداهم الله - سبحانه وتعالى - اليه ، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحثنا على الثبات وعدم التعرض للفتن ومهما تعرض الانسان للبلاء والفتن والتعذيب عليه ان يثبت كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - "لا تشرك بالله شيئا وان قطعت او حرقت" ...
(وكذلك اعثرنا عليهم ليعلموا ان وعد الله حق) فقد بين الله - عزوجل - فى هذه الآيه حكمة بعثهم من رقدتهم وهى ليعلموا ان وعد الله حق وان الله لا يخلف وعده وان الساعه لا ريب فيها.....
نتوقف عند هذه الآيه ، سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك.......
[c
olor=red] الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات