منتدى الشيخ أبوالبراءالأحمدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الشيخ أبوالبراءالأحمدى

قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 الدروس المفرغة لتفسير سورة طه

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
المشتاقة للجنان




عدد المساهمات : 50
تاريخ التسجيل : 09/06/2008

الدروس المفرغة لتفسير سورة طه Empty
مُساهمةموضوع: الدروس المفرغة لتفسير سورة طه   الدروس المفرغة لتفسير سورة طه I_icon_minitimeالخميس 07 أغسطس 2008, 10:40 am

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته


ستكون في هذه الصفحة باذن الله كل دروس دورة تفسير سورة طه على التوالي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المشتاقة للجنان




عدد المساهمات : 50
تاريخ التسجيل : 09/06/2008

الدروس المفرغة لتفسير سورة طه Empty
مُساهمةموضوع: الدرس الاول من تفسير سورة طه   الدروس المفرغة لتفسير سورة طه I_icon_minitimeالخميس 07 أغسطس 2008, 11:31 am

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




الدرس الاول من دروس تفسير سورة طه


من القاء :الاستاذة ام ايمان

ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له، واشهد ان لااله الا الله وان محمدا عبده ورسوله بلغ الامانة وادى الرسالة ونصح الامة وجاهد في الله حق جهاده ، اللهم صلى وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين
أما بعد : فإن أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وإن شر ألامور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
نبدا على بركة الله بشرح تفسير ابن كثير رحمه الله لسورة طه ، قبل أن نبدا بسورة طه نود أن نذكر بعض التناسب بين سورة مريم التي سبق شرحها وسورة طه :ـ

ـ1- سورة مريم بدأت بالأحرف المقطعة أو المفردة وهي كهيعص, وكذلك سورة طه بدات بالأحرف المفردة وهي الحرفان طه فتشابهت السورتان في هذا الجانب


ـ 2- في سورة مريم ذكر الله قصة نبيه عيسى عليه السلام وهو خاتم أنبياء ورسل بني اسرائيل , وفي سورة طه ذكر الله قصة سيدنا موسى عليه السلام وهو أول رسل بني اسرائيل


ـ 3- الأهم من ذلك كله هو المحور الذي دارت عليه السورة أو موضوع السورة , فسورة مريم دارت حول محور معين وهو اثبات ان عيسى نبي الله ورسول الله حيث أن قومه أعلوه الى درجة الألوهية فأعاده الله بقوله ( قال اني عبد اله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا اينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياوسورة طه ذكر فيها ان الكافرين من اهل مكة نزلوا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم من درجة النبوة وأدعو انه مفتر وأنه يأخذ الكلام عن جني أو ساحر وأنه مجنون , وأنه شاعر , كما ورد في آيات كثيرة .....كما نزل بنوا اسرائيل بموسى وآذوه وحاولوا قتله فالله تعالى بين وابرز مكانة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم العظيمة و مقامه الرفيع ،كما رفع موسى بقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لاتكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها


وسورة طه جاءت في القران الكريم بهذا الاسم ،واسماء سور القرآن الكريم توقيفية أي أن الله سمى سور القرآن الكريم وأوقفنا عليها فلا يمكن لنا ان نغيرها او نبدلها أو نتقدم عليها أو نتأخر, ولكن بعض العلماء أو المفسرين أحيانا يقولوا سورة كذا او سورة كذا على سبيل بيان أمر معين كما في سورة طه قالوا عنها انها سورة موسى لأن فيها تفصيل لقصة موسى عليه السلام ,ومنهم من سماها سورة الكليم لأن موسى كليم الله , ولكن هذه التسمية لم تثبت في المصاحف والتسمية التي ثبتت في المصاحف هي سورة طه وهذا هو الأسم التوقيفي لها


اختلف العلماء في عدد آيات السورة منهم من عدها 143ومنهم من عدها 132وهذا الإختلاف لايعني ان السورة فيها زيادة أو نقصان في عدد الايات , لا أبدا , بل نص آيات القرآن وكلماته السور ثابت مافيه لازيادة ولانقصان ولكن الإختلاف فقط في العد وسبب الأختلاف هو :ا


ـ 1- بعضهم اعتبر الحروف المقطعة في بداية السور مثل ألم , طه , كهيعص آية مستقلة , وبعضهم راى أنها حروف لاتستقل بكونها آية فهذا احدى اسباب اختلاف العدد


ـ 2- االبسملة حيث ان كل سورة من سور القرآن الكريم تبدا بالبسملة عدا سورة التوبة ( براءة) , فاختلف العلماء في البسملة هل تعتبر آية وتعد ضمن آيات السورة أم لا , فمنهم من عدها آية ومنهم من لم يعدها فاختلف العدد


ـ 3- االوقف الذي كان يقفه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أثناء تلاوته , اختلف العلماء هل كل وقف يعتبر آية أم لا. فمنهم من عد كل وقف وقف عليه صلى الله عليه وسلم آية فزاد عليه عدد الآيات ومنهم لم يعتبر كل وقف آية , حيث كان صلى الله عليه وسلم يقرا قراءة تتوقف أو تتجه الى بيان المعنى فربما قرأ آية مستقلة ووقف عند نهايتها ، وربما قسم الاية الى جزئين , وربما قرأ آيتين معا في قراءة واحدة .هذه الأسباب كانت سبب اختلاف االعلماء في عد الآيات في السور
وسورة طه سورة مكية نزلت قبل الهجرة وهي كباقي السور المكية تناقش قضايا ذات طابع خاص تناسب المخاطبين في ذلك الوقت وتناقش قضايا معينة وفكرا معينا وأحداثا مخصوصة تناسب البيئة والمخاطب وطبيعة معاملته ومقابلته للقرآن النازل عليه في العهد المكي، فالاغلبية في ذلك الحين كانوا كفارا جريئين منكرين للحق والدعوة والرسالة بشكل صريح وجريء . اما في العهد المدني فقد كان طابع السور المدنية ملائما لطابع الناس في ذلك المرحلة فقد كان الناس ينقسمون مابين مسلم يقول:سمعنا واطعنا ، وما بين منافق يقول :سمعنا وفي باطنه يخفي الكفر.وكان بني اسرائي يتظاهرون بموافقة الحق وقلوبهم منكرة وجاحدة
فسورة طه كانت مكية تراعي الأحوال والأوضاع الموجودة في العهد المكي
فضل سورة طه : هل لسورة طه خاصية من بين السور ؟
أثبت الله لبعض السور فضائل مخصوصة ، كسورة النور قال تعالى في شانها ( سُورَةٌ أَنزلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) هذا تكريم وتشريف من الله عز وجل لهذه السورة , وكل سور القرآن الكريم الله أنزلها و وذكر فيها أحكام وجعل فيها آيات بينات ، لكن الله عز وجل خص سورة النور بالذكر فهو شرف وفضل زائد لهذه السورة
كما أن الله تعالى ذكر سورة الفاتحة ايضا ذكرا خاصا مع ذكر عمومها كما قال سبحانه وتعالى ( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87))الحجر. فلو قال الله عز وجل ولقد أتيناك القرآن العظيم لكان كافيا بشمول الفاتحة بعموم القرآن الكريم ولكنه خص سورة الفاتحة بالذكر مما يدل على شرف سورة الفاتحة . كما بين رسولنا صلى الله عليه وسلم فضل بعض سور القرآن الكريم وخصائصها كخصائص سورة البقرة وآل عمران وسورة الصمد والمعوذتين والزلزلة و.....ـ
فالسور التي لم يذكر القرآن ولا السنة شيئا من خصائصها وفضلها لايدل على أنها مفضولة ,وأن سور القرآن بينها الفاضل والمفضول ، فالقرآن الكريم كله فاضل وما فيه سورة كذا أفضل من كذا ، كله كلام الله . وكلام الله أعلى وأشرف وأعظم كلام وأحسن حديث تكلم به عز وجل ( الله نزل أحسن الحديث) وكله نقرأه ونتعبد به وسورة طه سورة من سوره وشأنها كشان القرآن الكريم من الشرف والتفضيل فمن قرأ حرف من القرآن فله بكل حرف حسنة . لاأقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف كما جا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قرا حرفا من كتاب الله فله حسنة ، والحسنة بعشر امثالها لا اقول : الم حرف ، ولكن : الف حرف ، ولام حرف ، وميم حرف" رواه الترمذي
هدف السورة : الهدف الاساسي والمجمل لهذه السورة هو اثبات نبوة وصدق رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالادلة وتدور هذه السورة على موضوعات ومحاور ثلاث هي كالتالي : ـ 1- تبدا السورة باثبات رسالة النبيي محمد صلى الله عليه وسلم بما يؤكد ذلك من اخبارا
ـ 2- ثم ياتي بعد ذلك ذكر لقصة موسى عليه السلام وعرضها عرضا مفصلا بما يشير بان رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبعثته ليست عجبا ولا بدعا من القول وانما هي حلقة موصولة بالرسالات السابقة كما قال تعالى في سورة الاعلى " إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأولى* صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى " فدين الله واحد هو الاستسلام لله بالشريعة التي فرضها
ـ 3- يعرض لنا المولى فيها قضية البشرية مع الوحي ، لماذا يوحى الى البشرية ؟ ومادور هذه البشرية تجاه الوحي ثم يذكرنا المولى في اشارة سريعة ومختصرة لقصة ابينا ادم عليه السلام حيث ادخله الجنة وعرض عليه الامر والنهي ، وكيف ان الله سبحانه وتعالى احل لادم الاكل من كل الطيبات ماعدا شجرة واحدة معينة . فعلى ماذا يدل هذا ؟؟
ـ 1- يدل هذا على ان الحق سبحانه برحمته وحكمته جعل الحلال كثير والحرام قليل ، وقدر ادم على غيره من البشر ان يخطا وياكل من الشجرة التي نهاه الباري عز وجل عنها فلماذا ذلك ؟؟
ـ2- اقتضت حكمته سبحانه ذلك الامر حتى يعلمنا ان الذي يوقعنا في الشر والعصيان هو الشيطان بوسوسته واغوائه . واراد سبحانه ان يوضح لنا كيف ننهض من كبوتنا بالشيطان وذلك بالتوبة لقوله تعالى " فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) "البقرة
،ـ3- ويوضح لنا عز وجل انه خلقنا للجنة وليس للارض ،للاخرة وليس للدنيا ، فالله جعل الدنيا مزرعة الاخرة وقد هيا الله لنا سبحانه كل الاسباب حتى ندخل الجنة بمنه وفضله وكرمه
أسباب النزول : لايشترط لكل اية ان يكون سبب لنزولها , والله عز وجل جعل لنزول القرآن كله سبب عام وهو هداية الخلق واعجازهم واثبات عجزهم عن الإتيان بمثل هذا القرآن وأن يتعبدوا ويتقربوا الى الله به
وقد نزلت بعض السور أو بعض الايات لأسباب خاصة كان لله حكمة بها وهذا يكثر في آيات الأحكام ليعلمنا اله تعالى الحكم بطريقة عملية لحادثة مخصوصة وهذا اسلوب تربوي نستفيده من القرآن الكريم
وقد ذكر الأمام ابن كثير رحمه الله في رواية أشار الى ضعفها أن سبب نزول قوله تعالى : "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" قالوا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم لإنك لتشقى بترك ديننا اي دين الجاهلية لما رأوا من عبادته وقيامه الليل وان دينهم دين يدعوا لترك العمل والنوم والكسل فنزل قوله تعالى ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والتسليم
نسال الله ان يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا ويرزقنا العمل الصالح ويرزقنا الأخلاص في القول والعمل ويجعل حياتنا كلها خالصة لوجهه الكريم
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا اله الا أنت نستغفرك ونتوب اليك






عدل سابقا من قبل المشتاقة للجنان في الخميس 07 أغسطس 2008, 2:14 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المشتاقة للجنان




عدد المساهمات : 50
تاريخ التسجيل : 09/06/2008

الدروس المفرغة لتفسير سورة طه Empty
مُساهمةموضوع: الدرس الثاني من دورة تفسير سورة طه   الدروس المفرغة لتفسير سورة طه I_icon_minitimeالخميس 07 أغسطس 2008, 2:03 pm

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الدرس الثاني من تفسير سورة طه
من االقاء: استاذتنا ام ايمان


ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له، واشهد ان لااله الا الله وان محمدا عبده ورسوله بلغ الامانة وادى الرسالة ونصح الامة وجاهد في الله حق جهاده ، اللهم صلى وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين

أما بعد : فإن أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وإن شر ألامور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار


قال تعالى : " طه (1) مَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3)تَنزيلا مِمَّنْ خَلَقَ الأرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى(7) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى

قوله تعالى "طه " من الحروف المتقطعة التي سبق شرحها . ، وقال البعض في كلمة "طه " و" يس " انها اسماء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل هي حروف مفردة ابتدا بها الحق سبحانه بعض السور في القران الكريم ،كما قال "ألم "وقال "ص" , وقال" حم"، ولو كانت هذه من اسماء لرسول صلى الله عليه وسلم لقالوا "كهيعص" اسم من ولقالوا "حم" اسم من ....وورد في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم عد له اسماء فقال " انا محمد وانا احمد وانا الماحي يمحو الله بي الكفر ، وانا العاقب فلا نبي بعدي وانا الحاشر يحشر الناس على قدمي يوم القيامة " ورسول الله لاينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى ولم يرد انه سمى نفسه باحد هذه الاسماء ولم يرد عن االصحابة رضوان الله عليهم في ندائهم للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، بل كانوا ينادونه يانبي الله ويا محمد ,والله تعالى أعلى وأعلم

استهل الحق سبحانه السورة بخطاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيريد الحق سبحانه ان يخبره خبرا صحيحا صادقا وبقضية مسلمة لا خلاف فيها وهي صدق نبوته صلى الله عليه وسلم فيقول سبحانه " طه * مَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى" قوله سبحانه" لِتَشْقَى" من الشقاء و الشقاوة ، واصل هذه الهمزة من الواو وهو فرط التعب من العمل ، من عمل وكد وتعب فقد شقي ، يشقى بعمله وهذا شقاء عضلي اما الشقاء المعنوي فهو غم وهم يصيب النفس ويكون في القلب فيتعب البدن بناءا على ذلك .اي هذا القران نزله الله سبحانه لرفع الشقاء والتعب عن البدن والقلب،فالله سبحانه وتعالى يبين لنا في هذه الاية حكمة انزال القرآن الكريم وانه لم ينزل شقاءا للبشرية بل سعادة لكل من يعمل به في الدنيا والآخرة

قوله تعالى : " إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى " التذكرة هي استظهار ما في الباطن من امور قد نسيها الإنسان , وهنا القرآن الكريم يذكرنا بالفطرة التي فطرنا الله عليها وكأننا نسيناها ولم ننتبه لها فالله تعالى جعل في كل احد فطرة يهتدي بها الى عبادة الله وحده ، لكن البيئة ومظاهرها وعواملها تنسي هذه الفطرة ، والله تعالى انزل القران ليذكرنا بهذه الفطرة ويبين لنا ان ديننا يتجاوب مع الفطرة دائما . ونحن نعلم قصة الشاب الذي جاء يطلب من رسول الله ان يبيح له الزنا فاجابه الرسول صلى الله عليه وسلم بمايذكره بفطرته السليمة : اترضاه لامك ؟؟ اترضاه لاختك ؟؟........فيجيب الشاب بفطرته :لا، لا ، لا....وجاء النهي القراني عن الزنا متجاوبا مع هذه الفطرة فقال تعالى " وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا " الاسراء. وعندما حدث النبي صلى الله عليه وسلم الشاب بالزواج راى ان فطرته تتجاوب مع ذلك .اذن فالسنة والقران يذكران الإنسان بما فيه من الفطرة السليمة غمتها العوامل المحيطة بنا.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء " رواه مسلم. وهذا دليل وااضح على ان البيئة المحيطة بنا هي من تؤثر علينا وتغم على فطرتنا السليمة

قوله سبحانه " لِمَنْ يَخْشَى " الخشية يغلب عليها معنى الخوف فيقال خشي الله اي خافه وهي في الحقيقة ليست الخوف ، معناها اعمق من ذلك وهو حسن التقدير للاشياء بما يؤدي الى حسن الانتفاع بها .والله تعالى عندما ارسل موسى الى فرعون قال "اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) " النازعات ،فهل الخشية هنا معناها الخوف ؟؟ وهل الله سبحانه يرسل الانبياء يدعون الناس للتخويف من الخالق ؟؟؟. فرعون كان يؤله نفسه ، ويعبد الهة اخرى في خفية عن الناس قال له وزراءه " أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك " وكان يقول لهم " أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى" النازعات ، ويقول "يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي"الاية القصص ، لم يكن فرعون يعلم علما حقيقيا عن الله أنه هو الإله الأوحد والرب الأعلى غابت عنه هذه الحقائق بتكبره وطغيانه وتجبره فلو أحسن وعرف تقدير الأشياء لقدر الله حق قدره وبحسن تقديره ستكون عنده الخشية من الله لكن سبحان الله غاب ذلك عنه بطغيانه . فالله تعالى عندما بعث موسى جاء ليزيل الغشاوة التي كانت على عيني فرعون ، ففرعون إن عرف الله ،أحسن تقديره وخشيه ، فالخشية اذن هي حسن التقدير للاشياء عن علم ومعرفة تؤدي بنا الى حسن التعامل مع كل شيء واعطاء كل ذي حق حقه

ثم يبين لنا سبحانه وتعالى مصدر هذه الرسالة بقوله " تَنزيلا مِمَّنْ خَلَقَ الأرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا" فالخالق هو الله سبحانه وتعالى لكل شيء وهو الذي نزل الرسالات السماوية السابقة وختمها برسالة القرآن الكريم الذي أنزله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

قوله تعالى : "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى "ان الله هو الرحمن صاحب الرحمة الواسعة العظيمة وأن مابين الخلق من رحمة هي جزء من مائة جزء من رحمة الله سبحانه وتعالى وأنه سبحانه وتعالى استوى على عرشه ، والعرش :هو خلق من خلق الله لم نره ولا نعلم حقيقته الا بما ورد بالسنة ، وهو عرش يليق بذات الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير . العرش كما نفهمه نحن البشر هو مايجلس عليه الملك حينما يحكم بين الناس كما قال تعالى عن بلقيس ملكة سبأ ( ولها عرش عظيم ) فهو كرسي يجلس عليه الملك ويخاطب وزراءه . استوى : الاستواء يعلمه الله وهو استواء يليق بجلاله وعظمته سبحانه ، الله استوى على عرشه استواء يخالف استواء خلقه ويخالف استواء الملوك استواء يليق بذاته ويكمل به وصف الله ، وهو لم يستو على عرشه خلافة لفترة من الزمن كإستواء الملوك ولكن له ملك كل شيء استواء اعلى واسمى من ذلك

ونحن لا نعلم حقيقة ذلك الاستواء والسلف كانوا يثبتون ماثبته الله لنفسه مع تفويض العلم بحقيقته لله جل وعلا .فالاستواء معلوم والكيفية مجهولة ولا يجوز لنا الخوض في امور لا علم لنا بها ، لم نعلم حقيقة هذا الاستواء ولم ينقل لنا وصفه وعلينا الايمان به وجوبا وبكل الاخبار الواردة في القران الكريم

قوله تعالى : " لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى "فهوسبحانه ملك كل شيء ، له مافي السماوات ومافي الأرض وما تحت الثرى والثرى هو التراب وما تحته اي تحت الأرض

وقوله سبحانه " وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى " وهو سبحانه جل شانه يعلم كل شيء ، مايسر الانسان ومايعلن ، مايخفيه الانسان عن غيره في سره وماهو اخفى من السر . قال ابن عباس السر: مااسر ابن ادم في نفسه ، واخفى : ماخفي على ابن ادم نفسه انه فاعله وهو لا يعلمه فالله تعالى اعلم بذلك كله سبحانه

قوله عز من قائل سبحانه : " اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَىلاسماء جمع اسم ، وهو ما يطلق على الشخص او على الشيء ليميزه ولكل واحد منا اسم أو قد يكون اسمان , اسم حقيقي او اسم شهرة احيانا لكن الاسماء الكثيرة كلها التي لاتعد ولا تحصى هي لله تعالى
قال صلى الله عليه وسلم (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة ) فمن أحصاها معرفة وحفظاً وعملاً بمقتضاها فإن الله- عز وجل- يرزقه الجنة .فنسأل الله تعالى أن يسعدنا بالقرآن الكريم وأن يهدينا إلى أسمائه الحسنى لندعوه بها ولنسعد بها في جنة الرضوان إن ربنا هو البر الرحيم.
والاية بمعنى ان كل اسماء الله حسنى ،وحسنى مؤنث احسن مثل كبرى واكبر ولله المثل الاعلى ، صفاته واسماؤه كلها حسنى تصفه بالجلال والكمال وتنفي عنه كل نقص يشوب ذلك . فهو الله الذي لا معبود بحق الا هو ، ولا مستحق للعبودية غيره ، هو المعبود لوحده لا شريك له
في ذلك ،ونحن نفرده سبحانه بالالوهية والربوبة فلااله لنا غيره ولا رب لنا سواه


......يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المشتاقة للجنان




عدد المساهمات : 50
تاريخ التسجيل : 09/06/2008

الدروس المفرغة لتفسير سورة طه Empty
مُساهمةموضوع: تتمة الدرس الثاني من تفسير سورة طه   الدروس المفرغة لتفسير سورة طه I_icon_minitimeالخميس 07 أغسطس 2008, 2:13 pm

....تتمة الدرس


الدروس المستفادة من هذه الايات


طه من السور المفتتحة بالحروف المقطعة او المنفردة ، وعدد هذه الحروف في القران 14 ابتدات بها 29 سورة في القران الكريم ..وقد جمع العلماء هذه الحروف في قولهم" نص حكيم قاطع له سر" ، والسلف رضوان الله عليهم قالوا انها سر من اسرار الله في كتابه نؤمن بها ونقر بها ونفوض معناها وعلمها الى الله عز وجل ولا نسال عن التفاصيل فيها .اما الخلف الذين جاؤوا بعد ذلك جعلوا يسالون عن كل شيء ، وكثرت تساؤلاتهم عن كل المبهمات في القران الكريم : فسالوا عن نملة سليمان ذكرا كانت ام انثى وعن كلب اصحاب الكهف لمن كان ومااسمه ومانوعه وسالوا ايضا عن هذه الحروف المقطعة عن معناها ومؤداها ولماذا تقرا كذلك و.....فاظطر العلماء الى وضع معان لهذه الحروف


فمثلا سورة البقرة تبدا ب"ألم " وتقرا الف لام ميم وسورة الشرح تبدا كذلك لكنها تقرا أَلَم ، وقالوا ان هذه الحروف هي رموز لاسماء الله عز وجل وهذا راي غير ماخوذ به والراي الراجح في ذلك هو ماسبق ان ذكرناه في سورة مريم وهو الاعجاز ، فالله تعالى اراد ان يعجز ويثبت عجز البشرية عن الاتيان بمثل هذا القران فالمشركون قد قالوا عن رسول الله انه مفتر وكاذب وساحر الى غير ذلك من التهم المدحوضة . والله سبحانه وتعالى حاجهم بقوله "الف لام ميم " "طا سين ميم " "كاف ها يا عين صاد " "طا ها" "حا ميم "... اي ان هذا القران مركب من نفس الحروف الهجائية التي تستعملونها في صياغة كلامكم وشعركم ونثركم ، انتم اهل البلاغة والفصاحة ومع ذلك لم تستطيعوا الاتيان بمثله ، لم تستطيعوا الاتيان بعشر سور من مثله بل لم تستطيعوا ولن تستطيعوا الاتيان حتى باقصر سورة منه كالكوثر مثلا فهي جملة واحدة ثلاث كلمات ومع ذلك لم تستطيعوا الاتيان بمثلها مع انكم تمتلكون مادة الكلام .


وقيل ايضا في اختيار الأحرف المقطعة أو المفردة في بداية السور مثلحرفي الطاء والهاء لانها الاحرف الغالبة في هذه السورة و الأكثر دورانا في كلمات السورة وكذلك مثلا في سورة ص حرف الصاد هو الاكثر دورانا في السورة ، واذا نظرنا الى باقي الحروف وجدناها اقل عددا من الطاء والهاء , وهذا اتفق في بعض السور وليس كل السور والله اعلم


وكلمة "طه " نداء في بعض اللهجات المقصود به "يارجل " وهنا هو نداء للبشرية جمعاء وللانسانية بداية باشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان الخطاب له . وقيل انها بمعنى " ياايها الانسان " او اعلم ان محمدا ابن عبد الله نبي حق وصدق بعثه الله تعالى رحمة للعالمين . والله اعلى واعلم


وقالوا في كلمة صاد انها وصف للبعير الذي اصابه شيء في انفه فيرفع انفه الى الاعلى لكي لا يسيل ولا يؤديه ، وشبه المولى عز وجل الكفار المعرضين المتكبرين لتكبرهم بهذا الوصف فهم وهذا البعير سواء مع ان البعير مظطر غير انهم ليسوا مظطرين للصدود والاعراض عن ذكر الله وعن رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم


والخطاب هنا في سورة التي نحن بصدد تفسيرها في قوله تعالى " طه " خطاب لرسول الله ولامته صلى الله عليه وسلم ، فالقران ليس المقصود به شقاء الانسان والبشرية وارهاقها بل على العكس هو لضمان سعادتها الدنيوية والاخروية فقال تعالى "فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) "البقرة .


هذا القران نزل من عند الله تعالى والنزول يكون من اعلى لاسفل فالقران لم يات من الارض كما قالو ا "وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)"النحل


في قوله تعالى " اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ " بهذه الاية يثبت الله عز وجل الوهيته لمن انكر ذلك وقد ورد في ايات اخرى هذا المعنى كقوله تعالى "سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) "الاعلى ، وقوله سبحانه "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) "العلق ، وقوله "هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (11)"لقمان ،وقال عز من قائل " يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)" الحج ، هنا الله تعالى يتحدى الذين ادعوا الالوهية ومثل الله ضعفهم بانهم اضعف من الذباب وانهم لن يستطيعوا خلقها ولو اجتمعوا على ذلك وقد مثل الله لهم بالذباب تحقيرا لهم واهانة ، فالذباب ضعيف وسمي كذلك لتذبذبه وكثرة حركته وفي هذه الاية تحقير ايضا لالهتهم اللتي لا تتحرك بل هي جماد صم بكم لا تضر ولا تنفع " تبارك الله احسن الخالقين" .بعض المنكرين استدلوا بهذه الاية بان هناك خالقين اُخر الله احسنهم والله يقول انه افضلهم وهذا قصور منهم فقد ضاع عليهم الفهم الصحيح لقصور لغتهم وعقولهم ، فما من شيء الا الله خالقه وهو سبحانه مستو على العرش فوق سماواته استواءا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه


هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والتسليم
نسال الله ان يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا ويرزقنا العمل الصالح ويرزقنا الأخلاص في القول والعمل ويجعل حياتنا كلها خالصة لوجهه الكريم
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا اله الا أنت نستغفرك ونتوب اليك
نتوقف هنا بحول الله ونكمل في الحصة القادمة ان شاء الله


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المشتاقة للجنان




عدد المساهمات : 50
تاريخ التسجيل : 09/06/2008

الدروس المفرغة لتفسير سورة طه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدروس المفرغة لتفسير سورة طه   الدروس المفرغة لتفسير سورة طه I_icon_minitimeالأربعاء 27 أغسطس 2008, 5:36 pm

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تلخيص الدرس الثالث من تفسير سور طه


من القاء استاذتنا ام ايمان

بسم الله الرحمن الرحيم
نحمد الله ونشكره ونستعينه ونستغفره ... وأشهد أن لااله الا الله وحده لاشريك له خلق فسوى وقدر فهدى , وكل شيء عنده بأجل مسمى , واشهد أن نبينا وإمامنا محمدا عبده ورسوله . أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله . فتح الله به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا , حتى يعبدوا الله وحده لاشريك له .. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وسلم تسليما كثيرا
توقفنا في الحصة الماضية عند قوله تعالى بعد اعوذ بالله من الشيطان الرجيم: " وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ﴿9 ﴾ إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ﴿10 ﴾ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى ﴿11 ﴾ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى ﴿12 ﴾ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ﴿13 ﴾ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ﴿14 ﴾ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ﴿15 ﴾ فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى ﴿16 ﴾"[طه: 9- 16] ـ
يسأل الله عز وجل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم سؤال إستفهام للتقرير وغرضه التشويق لما يُلقى إِليه أي هل بلغك يا محمد خبر موسى وقصته العجيبة الغريبة؟ {إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لأهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} أي حين رأى ناراً، فقال لامرأته أقيمي مكانك فإِني أبصرتُ ناراً . يقدم له قصة موسى بأسلوب بليغ يبدأه بالسؤال بقوله عز من قائل :﴿ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىحتى ينتبه السامع والمخاطب - صلى الله عليه وسلم- .وليس هذا هو المقام الوحيد ، إنما كثيراً ما يبدأ الله تقديم المعلومة بسؤال كقوله سبحانه: ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ [الغاشية: 1]، ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً [الإنسان] عرف العلماء حديثاً وقد سبقهم القرآن ، أن المعلومة التي تقدم عن طريق سؤال تكون أوقع في النفس ؛ لأن السؤال ينبه السامع ويحفز انتباهه ويستحضر ويستشهد قلبه ، فإذا ما ألقيت عليه المعلومة رسخت في قلبه ، وسكنته دون أن تخرج مرة ثانية . وعرف النبي - صلى الله عليه وسلم- هذا الأسلوب التعليمي الرائع، قبل أن يعرفه علماء التربية والتعليم ، وأستعمله كثيرا مع أصحابه .
وكلمة حديث هنا معناها الخبر ، أي: هل أتاك خبر موسى - عليه السلام-؟ والحديث في الأصل : هو اسم للكلام الذي يُحكى به أمرٌ حدث.
كان موسى قد خرج من مصر فاراً من ظلم فرعون ، الذي بلغ البلاد والآفاق، ذهب إلى أرض مدين ، وهناك قدر الله له أن يلتقي بذلك الرجل الذي يسمى بشعيب , والذي اختلف فيه المفسرون منهم من قال شعيب النبي ومنهم من قال أنه رجل صالح , وقدر الله له أن يتزوج بابنة من ابنتيه ، وعاش معهما أكرم الأجلين .
و قضى موسى الأجل وسار بأهله من مدين يريد مصر، بعد غياب طال قرابة العشر سنوات أو يزيد, ، قضى هذه العشر سنوات مع والد زوجه وفي بيت زوجه هناك ثم عاد بها إلى أرض مصر وهي موطنه الأول ، وهي مسقط رأسه الذي ولد فيه ، فبالحنان الفطري إلى مسقط الرأس ، وبالتوجيه والتدبير الإلهي لإجراء قدره سبحانه وتعالى ، عاد موسى بعد هذا الأجل , وكان قد أخطأ الطريق، وكانت ليلة مظلمة شاتية، فجعل يقدح بالزناد فلا يخرج منها شرَرٌ، فبينما هو كذلك إِذْ بصر بنارٍ من بعيد على يسار الطريق، فلما رآها ظُنها ناراً وكانت من نور الله
﴿ فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوامكثوا : من المكث وهو البقاء في المكان ، وقد يكون لأجل أو لغير أجل، كما في شأن أهل النار ﴿ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ [الزخرف آية: (77)]، أي باقون خالدون أبداً , قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام :﴿ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً ﴾ ، آنست : من الإيناس ، وهو الإبصار البَين الذي لا شبهة فيه أي رأيت ناراً حقيقيةً لا شك فيها ولا سراب في رؤيتها. ﴿ لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍالقبس يٌضيء الطريق في الظلام, وهو ما يؤخذ من النار مع بقاء أصلها، كأن تؤخذ شعلة من نار ، تبقى النار على أصلها ، وتؤخذ منها هذه الشعلات ، والواحد منها قبس.وقوله أو أجد على النار هدى دل ذلك على أنه ضل طريقه في هذه الليلة المظلمة , أي لعلي آتيكم بشعلة من النار تستدفئون بها {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} أي أجد هادياً يدلني على الطريق ,الهدى : دلالة الإنسان على طريقه ، وعلى بغيته في الدنيا وفي الأرض ، ولكن إذ نسب الهدى إلى الله سبحانه وتعالى فيقصد به الدلالة على ما يوصل إلى السعادة في الدنيا والآخرة . وسيدنا موسى - عليه السلام- قصد حينما رأى النار قصد الهداية المحسوسة المعروفة في الدنيا ، أن أجد عند النار صاحبها الذي يدلني على طريقي الذي ضل مني، ولكنه وجد هناك من هَدى المهتدين من العالمين جميعاً، وهو الله سبحانه وتعالى ناداه بأمر النبوة ، فنال بذلك هدايةَ طريقه في الدنيا ، وهداية طريقه إلى الجنة في الآخرة هو ومن آمن به . وفي آية أخرى في سورة النمل ﴿ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ـ تصطلون : يعني تستمتعون وتنتفعون بالنار من خلال فوائدها التي جعلها الله فيها ، كما قال الله سبحانه وتعالى "أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَتِي تُورُونَ ﴿71 ﴾ أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ المُنشِئُونَ ﴿72 ﴾ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ ﴿73 ﴾ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ ﴿74 ﴾ " [الواقعة] ـ
قوله تعالى :{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ}اي فلما أتى النار وجدها ناراً بيضاء تتّقد في شجرة خضراء في قمة جبل في نهاية الوادي إذا بصوت يناديه ولا يعرف من أين هذا الكلام ولا كلام من ، ولذلك قال الله تعالى:﴿ نُودِيَ يَا مُوسَى نودي ، ولم يقل : ناداه الله، لأن موسى - عليه السلام- أول ما وصله النداء ما كان يعرف من المنادي عليه ، فنسب الفعل إلى مجهول" نُودِيَ يَا مُوسَى ﴿11﴾ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى﴿12)وقال له :أنا ربك، لكي يؤنسه في هذه الوحشة وفي هذه الظلمة وفي هذه الغربة , ناداه الله عز وجل ﴿ يَا مُوسَى ﴿11 ﴾ إِنِّي أَنَا رَبُّكَهذا اسمه نداء النبوة يعني ليس فيه تكليف، إنما إخبار بالنبوة، ليس فيه تكليف بإبلاغ الرسالة ، ﴿ يَا مُوسَى ﴿11 ﴾ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَخاطبه باسلوب فيه تاكيد بضمير التوكيد أن ثم قال سبحانه :﴿ أَنَا رَبُّكَ ﴾، وأضاف الربوبية إلى ضمير موسى - عليه السلام- كأن موسى يشعر من خلال هذا الخطاب، أن الله هو ربي أنا ,أسلوب فيه ايناس حتى يكون موسى مطمئنا , واستعمل هذا الأسلوب سيدنا يوسف - عليه السلام- حينما استوحش أخوه من خلال ما صنع له من وضع غطاء الملك في متاعه ثم أخذ به في ديوان الملك على أنه سارق، جلس يوسف إلى أخيه وأسر إليه ﴿ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ [يوسف: 69]، ولم يقل إني أنا يوسف، إني أنا أخوك، كأنه قصر أخوته عليه ، ففي هذا إزالة للوحشة وملءٌ لقلبه بالإيناس العظيم، ولله المثل الأعلى .
وقال ﴿ إِنِّي أَنَا رَبُّكَولم يقل ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ ﴾ ؛ لأن ذكر لفظ الرب هنا أنسب من ذكر كلمة الله . كلمة رب تطلق على الراعي المربي الذي ينعم ويتفضل ويقضي الحوائج ويجبر الكسور . ومن ذلك رب الأسرة ، ورب المال يرعاه ويستثمره ويحافظ عليه، ورب العمل،فذكر ربك فيها من الأيناس والطمأنينة بينما لفظ الجلالة الله فيه الجلال والهيبة والمهابة ، كما قال تعالى ﴿ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ[الحج: 35]، ولم يقل الذين إذا ذكر ربهم. فإذا ذكر الله ينبغي أن توجل القلوب لكن كلمة الله لها جلالها لها مهابتها لها أثرلها على النفس. أما كلمة رب ، ففيها معنى الرحمة ، والرباية ، والرعاية ، والعناية ، مما يؤنس سيدنا موسى - عليه السلام- في مثل هذا الموقف الموحش الذي كان فيه . لكن حينما أعلن الله عن نفسه كإله: ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُيعني أن الله الواحد الذي لم يتسمى بهذا الاسم ولم يعرف بهذا العنوان غيري ، فكان هذا مقام إعلان التوحيد فسمى الله نفسه باسمه الذي لم يتسمى به سواه. والله أعلم.
قوله تعالى :" إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى ", ﴿ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَلأن الوادي مقدس، وينبغي أن تخلع نعليك في الأرض المقدسة , وقيل : هو إشعار لموسى - عليه السلام- بجلال الموقف، وقداسة المكان ، وجلال وهيبة الخطاب مع الله سبحانه وتعالى ، فأمره أن يخلع نعليه , وليس في ذلك دليل على أن نخلع نعلينا عند الصلاة، هذا له حكم آخر وله استدلال آخر، أما هنا فكان موقفاً خاصاً بنبي الله موسى - عليه السلام- ﴿ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى ) و قيل : لأن النعلين كانتا من جلد حمار ميت . والجلود يجوز اتخاذها والانتفاع بها إذا كانت لحيوان يؤكل لحمه، ولو كان ميتاً ، والحمارلأنه لا يؤكل لحمه، فربما كان جلده كذلك , والله أعلم .
وقال البعض : لأن الله تعالى تجلى على الوادي، فتقديس لله وتعظيما فليكن موسى حافيا بغير نعلين، لحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى ، أمره أن يخلع نعليه، وعلل ذلك بقوله: ﴿ إِنَّكَ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى ﴾ . أي فإِنك بالوادي المطهَّر المبارك المسمّى طوى .فكلمة طوى :قيل اسم لهذا المكان، وادي اسمه طوى .
وقيل وصف للمكان الذي نودي فيه موسى - عليه السلام- بالنبوة، بمعنى أنه مقدس كله.
وقيل: من الطي ، أي: مقدس مرة بعد مرة، فقد قدس الله ذلك الوادي أكثر من مرة، بإنزال النبوات فيه.
وقيل طوى تعني الضيق الغائر، يعني وادي سحيق أو نازل بعض الشيء، وضيق في مساحته ليس متسع ، وقيل لأن موسى طواه مشيا، حتى وصل إلى أعلاه ليكمله ربه سبحانه وتعالى .والأرجح هو اسم للوادي . والله أعلم .
وقوله تعالى (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ ﴾ اختاره الله تعالى للنبوة والرسالة ولكلامه من بين العالمين فالنبوة بدليل هذه الجملة من الآية اختيار من الله تعالى واصطفاء من الله عز وجل كما قال تعالى: ﴿ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ ﴾. والإمام ابن كثير رحمه الله تعالى، ذكر قولاً غير منسوب لأحد، بلفظ قيل، وكلمة قيل، عند المحدثين كابن كثير، تشير إلى التضعيف , . فقال رحمه الله تعالى : فقيل: إن الله تعالى قال : أتدري لما خصصتك بالكيم من بين الناس؟ لماذا جعلت المكلم من بين الناس ؟ قال موسى: لا. قال ربنا سبحانه وتعالى: لأني لم يتواضع إلي أحد تواضعك . فلما كان تواضع موسى - عليه السلام- تواضع شديدا جداً، خصه الله بالكليم .
ولما كان تواضع نبينا عليه الصلاة والسلام أعظم كان تكليم الله لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام أعظم، ﴿ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ). ـ
فكلم الله موسى على الأرض، على الجبل، ولكن كلم الله نبيه محمد عليه الصلاة والسلام ليلة المعراج في السماوات العلى وأمره بالصلاة له ولقومه .و كلم الله موسى من وراء حجاب حتى أنه طلب النظر قال: ﴿ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي ﴾ [الأعراف: 143]، وسئل صلى الله عليه وسلم والحديث في مسلم، هل رأيت ربك، قال ( رايت نورا ) وقال عليه الصلاة والسلام في رواية أخرى ( نور أنى أراه ) ، كيف أراه؟ حجبه نور الله عز وجل أن يرى الله فالله عز وجل ﴿ لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 103]، فكان إكرام الله تعالى لنبيه محمد -عليه الصلاة والسلام- أعظم من إكرامه لنبي الله موسى - عليه السلام ، لكن اختار الله موسى على من كان في زمانه فكان أفضلهم وأشرفهم جمعيا، ونبينا عليه الصلاة والسلام أفضل الخلق أجمعين. .
......يتبع باذن الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المشتاقة للجنان




عدد المساهمات : 50
تاريخ التسجيل : 09/06/2008

الدروس المفرغة لتفسير سورة طه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدروس المفرغة لتفسير سورة طه   الدروس المفرغة لتفسير سورة طه I_icon_minitimeالأربعاء 27 أغسطس 2008, 9:01 pm



تتمة تلخيص الدرس الثالث

قوله تعالى "وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى " والوحي يكون بإشارة خفية سريعة يفهم منها كلام يقين . ثم طرح عليه ربنا سبحانه وتعالى أصول الأمر ، فذكر ثلاثة أصول: بقوله تعالى: ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ـ

أولا : الوحدانية. وذلك بقوله تعالى:" إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا "جملة مؤكدة تأكيداً عظيماً، تخبر بوحدانية الله عز وجل ، وهذه هي أعظم الحقوق لله على العبيد أن يعبدوه وحده لا شريك، لا وجود لإله في الأرض ولا في السماء إلا الله، سبحانه وتعالى ، قال تعالى : "وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ" [الزخرف: 84]، يعني : هو المعبود وحده في السماء، يعبده أهل السماء، ويؤلهونه وهو المعبود كذلك في الأرض يؤلهه أهل الأرض ، وهو الواجب له العبادة بالتوحيد في السماء بين ملأها ، وفي الأرض بين ملأها ، لا يعبد غيره ومن عبد من سواه فإنها هي عبادة باطلة، وفاعلها مبطل على غير حق.﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا ﴾ هذا هو حق الله على العبيد أعظم حق وبه دخول الجنة مهما كانت الذنوب ، وإن كانت التوبة مطلوبة، لكن جاء من رحمة الله في الأحاديث القدسية قوله سبحانه وتعالى فيما رواه عنه رسولنا - صلى الله عليه وسلم-: ( يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة ). ـ
ثانيا : الأمر باشتغال العبد بعباة ربه. وذلك بقوله تعالى " فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي " العمل الذي خلقنا من أجله هوالعبادة "وما خلقت الجن والأنس الا ليعبدون" عبادة الله وحده لا شريك له . ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ ﴾.ـ
وخصَّ الصلاة بالذكر وإِن كانت داخلةً في جملة العبادات لعظم شأنها، واحتوائها على الذكر، وشغل القلب واللسان والجوارح، فهي أفضل أركان الدين بعد التوحيد ، ومن أشرف العبادات ، ومن أفضل العبادات الصلاة ؛ وأدومها فهي عبادة شاملة، فيها يصوم الإنسان فلا يجوز فيها الأكل والشرب ، الأكل والشرب نسياناً في الصيام يعفى عنه ، الأكل والشرب نسياناً في الصلاة يبطلها، فصيام الصلاة أشد من صيام الصيام، في الصلاة لابد من استقبال القبلة، وهي الكعبة المباركة وهي التي يقصدها الناسك بالحج والعمرة، في الصلاة زكاة حين نغلق محالنا ونترك محالنا ونترك كسب أرزاقنا لوقت ما لنؤدي الصلاة، فكأننا تصدقنا بهذا الوقت، وما يمكن أن يكون فيه من كسب أو عمل، تلك الحركات التي نؤديها تزيكة، بخضوعنا لله عز وجل عن أبداننا وعن صحاتنا فيها النطق بالشهادتين، فيها أركان الإسلام جميعاً ، وفيها أخلاق جميلة، حتى قيل إن الصلاة مدرسة دينية شرعية. وهذا يدل على أن أصل الصلاة موجود في كل الشرائع السابقة، كانت موجودة عند سيدنا موسى - عليه السلام- , وقال عيسى - عليه السلام- لدى ولادته ﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَياًّ ﴾ [مريم , وموجودة عندنا ايضا .
ثالثا: ثبوت يوم القيامة كحقيقة لا بد منها . ( إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ) ـ
" إِنَّ الساعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا " أي إِن الساعة قادمة وحاصلةٌ لا محالة أكاد أخفيها, و الساعة هي القيامة ، التي يقوم فيها الناس لرب العالمين . ولها أسماء كثيرة سميت بالساعة لأنها في ساعة ووقت معين
وسميت بالحاقة لوقوعها حقا لاريب فيه ﴿ ذَلِكَ اليَوْمُ الحَقُّ) وسميت بالقارعة لأنها تقرع الناس بأحداث وأهوال عظيمة
قوله تعالى (أَكَادُ أُخْفِيهَا ) لماذا ؟؟ " لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى" أي لتنال كلُّ نفسٍ جزاء ما عملت من خير أو شر ، كاد فعل من أفعال المقاربة، يعني اقتربت من أن أخفيها، هذا هو المعنى اللغوي
وقيل : (أَكَادُ أُخْفِيهَا) يعني أكاد أظهرها، يعني أوشك ظهورها ، أي اقتربت الساعة من أن تظهر ، يعني كدت أظهرها ،ما بقي عليها إلا القليل،
وأخفى الله وقت الساعة لحكمة , والحكمة من إِخفائها وإِخفاء وقت الموت لأن الإنسان لو علم متى ستكون الساعة لما التزم بأمر ولا بنهي شرعي ,و أن الله تعالى حكم بعدم قبول التوبة عند قيام الساعة وعند الاحتضار، فلو عرف الناس وقت الساعة أو وقت الموت، لاشتغلوا بالمعاصي ثم تابوا قبل ذلك، فيتخلصون من العقاب، ولكنَّ الله عمَّى الأمر، ليظلَّ الناس على حذر دائم، وعلى استعداد دائم، من أن تبغتهم الساعة أو يفاجئهم الموت ,
فإذا جاء الموت قامت قيامة الأنسان فكل انسان تقوم قيامته بموته , فيعرف مصيره ويعرض عليه مقعده من الجنة أو النار ويعرف حسابه وهكذا إلى أن تقوم الساعة يوم القيامة يوم الطامة الكبرى . والايمان بيوم القيامة من أركان الأيمان به يصلح الفرد وبالتالي يصلح المجتمع، قال تعالى:" كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليَقِينِ ﴿5 ﴾ لَتَرَوُنَّ الجحيم
قوله تعالى :"فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا" لا يصدنك عنها ، أي : عن هذه العقيدة، وخاصة عن يوم القيامة من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى . أي لا يصرفنَّك يا موسى عن التأهب للساعة والتصديق بها من لا يوقن بها , وهنا ننتبه إلى أن المعركة بين الحق والباطل قائمة دائمة , وأن هناك من شياطين الإنس والجن من يفسد على الناس عقائدهم ، بالبدع والخرافات والضلالات وإبعادهم عن العقيدة السلمية حتى يقعوا في الذنوب والآثام والأشراك بالله وبالتالي الحرمان من جنة الله سبحانه وتعالى ، فينبغي الحذر على الأقل من هؤلاء ، وإلا فالتصدي لهم بالثبات عن العقيدة وبنشر العقيدة الصحيحة التي كان عليها رسولنا - صلى الله عليه وسلم- والسلف الصالح من بعده .
ـ" وَاتَّبَعَ هوَاهُ" أي مالَ مع الهوى وأقبل على اللذائذ والشهوات ولم يحسب حساباً لآخرته. فالهوى : ما مالت إليه النفس في مخالفة شرع الله سبحانه وتعالى . هذا هو الهوى المذموم في القرآن والسنة وفي العقل ه , {فَتَرْدَى} أي فتهلك فإِن الغفلة عن الآخرة مستلزمة للهلاك
الدروس والعبر المستفادة من هذه الايات:ا
- الله سبحانه وتعالى اختار اسلوب القصص في القرآن الكريم لا للتسلية والحكاية ولكن للاتعاظ واخذ العبرة فقد قال عز من قائل " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولِي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) " سورة يوسف
- نتعلم من هذه الايات اسس الدعوة الى الله تعالى ، تلك الاسس التي اتبعها الانبياء في الدعوة الى الله عز وجل. الله تعالى بعث لكل امة رسول او نبي بشرع لهم يناسبهم ،لكن دين الله واحد .صحيح انه كان لكل نبي شريعة لكن كل تلك الشرائع كانت متحدة في أصول العبادة والعقيدة من نوح عليه السلام الى محمد صلى الله عليه وسلم.فجميع الامم اعتقدوا بالرسل المرسلة اليهم وآمنوا بيوم القيامة كيوم لا ريب فيه واقعِ لا محالة
- لما قص الله عز وجل هذه القصة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان في مرحلة بداية الدعوة ،فاراد الله تثبيثه فأبرز له معاناة الانبياء قبله ،وكيف ان الله تعالى ثبتهم ونصرهم رغم كل الاذى الذي نالوه من أقوامهم فقد قال سبحانه "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ (35) "سورة الاحقاف، نهاه الباري عز وجل عن الاستعجال وامره بالصبركما فعل اولو العزم من قبله صلى الله عليه وسلم ،وقال تعالى ايضا "فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) "سورة القلم. يوصيه ايضا في هذه الاية بالصبر والتحمل وينهاه من ان يفعل كما فعل يونس بن متى عليه السلام حين ذهب مغاضبا على قومه فكان من امره ماكان وكلنا يعرف قصته عليه السلام
- سماع مثل هذه القصص يفيدنا نحن ايضا كمؤمنين لما فيها من تثبيث على الايمان ودعوة لتحمل الشدائد والصعاب فالمؤمن معرض للابتلاء فقد قال سبحانه وتعالى "أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ(2) "العنكبوت .والابتلاء يظهر الممن الصادق من الكاذب
- الكافر الجاحد بايات الله لما تعرض عليه هذه القصص لو أنه استحضر قلبه وعقله وامعن النظر في هذه القصص لعَلِم ان مصيره مختوم بالهلاك وانه على ضلال فاذا استشهد سمعه وبصره أعز نفسه بالاسلام والاستسلام لله رب العالمين فكانت هذه القصص سببا في هدايته
- نلاحظ ان قصة موسى عليه السلام مذكورة في كثير من سور القرآن الكريم وموسى عليه السلام مات قبل نزول القرآن الكريم وأغلب السور فيه تتكلم عن قصته عليه السلام مع بني اسرائيل حتى قيل كاد ان يكون القرآن لموسى فلماذا ذلك؟؟
قيل لانه كان اخر رسول قبل محمد صلى الله عليه وسلم ،وعيسى عليه السلام كان نبي من انبياء بني اسرائيل والله انزل معهلوح المواعظ وهو الانجيل وهذا اللوح محاه الله تعالى في زمن موسى عليه السلام وحرم بني اسرائيل منه لانهم لم يؤمنوا بوجود الاه لا يرونه ،أرادوا ان يعبدوا الها محسوسا ملموسا يرونه باعينهم قال تعالى مخبرا عن قولهم في سورة البقرة "وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ(55)"فلما زجرهم موسى عليه السلام، استغلوا ذهابه الى ميقات ربه فاتخذوا الهاعجلا جسدا له خوار وأخذو يعبدونه قال تعالى " فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)"سورة طه .فعاقبهم الله تعالى بان حرمهم من المواعظ التي كانت في التوراة وهذه المواعظ بعثها الله مع عيسى عليه السلام فهو قد بعث الى من تاخر من بني اسرائيل ، اذن فصاحب الرسالة كان هو موسى عليه السلام .
ايضا موسى عليه السلام لقي من قومه من الاذى مالم يلقه اي نبي قبله ،وبوا اسرائيل كانوا آخر امة قبل المسلمين ويقال ان احفادهم يعايشوننا في هذا الزمان
من هذا كله يتبين المغزى من كثرة ذكر قصة موسى عليه السلام في القرآن الكريم فامته كانت اقرب امة الينا والله سبحانه اراد منا ان نتعظ منهم
- سبق وان قلنا ان الله تعالى استخدم اسلوب السؤال في واقع كثيرة في القرآن الكريم وهذا الاسلوب ينبه السامع ويجعله يستحضر قلبه وعقله وسمعه ، وقد استخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الاسلوب مع الصحابة رضوان الله عليهم فذات يوم أراد صلى الله عليه وسلم ان يضرب لاصحابه مثلا للمؤمن فخاطبهم بصيغة السؤال ليستحضروا قلوبهم وعقولهم فقال " ان من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وهي مثل المؤمن ؟"فجعلوا يفكرون في هذه الشجرة وكان من الصحابة ابو بكر وعمر رضوان الله عليهم وكان ايضا معهم ابن عمر رضي الله عنه الا انه كان صغيرا وهو راوي الحديث ويقول "وقع في نفسي انها النخلة فكرهت ان اتكلم وفي القوم ابو بكر وعمر " وهذا يدل على فضل ابن عمر رضي الله عنه وتواضعه وكيف كان ورعه عن التكلم احتراما لابي بكر وعمر رضي الله عنهما ومثن الحديث كالتالى : "عن ابن عمر رضي الله عنه قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابن عمر وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هِيَ النَّخْلَة " رواه البخاري
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح و يخلص لنا القول والعمل وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه صلاة باقية دائمة الى يوم الدين
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لااله الا أنت نستغفرك ونتوب اليك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
maryam_m




عدد المساهمات : 3
تاريخ التسجيل : 21/11/2008

الدروس المفرغة لتفسير سورة طه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدروس المفرغة لتفسير سورة طه   الدروس المفرغة لتفسير سورة طه I_icon_minitimeالسبت 22 نوفمبر 2008, 12:55 am

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

تلخيص الدرس الرابع من تفسير سور طه

من القاء استاذتنا ام ايمان

بسم الله الرحمن الرحيم


]نحمد الله ونشكره ونستعينه ونستغفره .... وأشهد أن لااله الا الله وحده لاشريك له خلق فسوى وقدر فهدى وكل شيء عنده بأجل مسمى, وأشهد أن نبينا وإمامنا محمدا عبده ورسوله , أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله . فتح الله به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا ... حتى يعبدوا الله وحده لاشريك له ,صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وسلم تسليما كثيرا

{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى(17)قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى(18)قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى(19)فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى(20)قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى(21) } وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى (23) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35)
{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} أي وما هذه التي بيمينك يا موسى؟ الاستفهام هنا للتقرير ، لأن الله - تعالى - عالم بما فى يمين موسى ، فالمقصود من هذا السؤال اعتراف موسى وإقراره بأن ما في يده إنما هى عصا . أليست عصا؟ فيزداد بعد ذلك يقينه بقدرة الله - تعالى - عندما يرى العصا التى بيمينه قد انقلبت حية تسعى اذن فالغرض من الاستفهام في قوله تعالى وما تلك بيمينك ياموسى التقريرُ والإِيقاظُ والتنبيهُ إِلى ما سيبدو من عجائب صنع الله في الخشبة اليابسة بانقلابها إِلى حية، لتظهر لموسى القدرة الباهرة، والمعجزة القاهرة .


قال ابن كثير: إِنما قال له ذلك على وجه التقرير، أي أمّا هذه التي في يمينك عصاك التي تعرفها؟ فسترى ما نصنع بها الآن؟


وطالماً كان السائل يعرف الجواب، فالسؤال المقصود منه ليس الاستفهام والاستعلام والاستخبار إنما خرج مقصود السائل إلى أمر آخر، السائل هنا هو الله - تبارك وتعالى- يعلم الغيب والشهادة، ويعلم ما في يمين موسى وما بين يديه وما خلفه وما بين ذلك، ولكن يسأل ليقرر موسى بما في يده، وليلفت نظر موسى إلى ما في يده،


والحكمة من هذا السؤال هو أن الله سبحانه وتعالى أراد أعداد موسى عليه السلام لتلقي المعجزة , فموسى -عليه السلام لم يكن يعرف رسالة ولا نبوة ,كما قال الله لنبيا -عليه الصلاة والسلام- ﴿ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ ﴾ [الشورى ,ما كان يدري شيئاً عن شيء عن النبوة والرسالة وما كان يتوقع أنه سيكون رسولاً ولا يعرف ما هو, هكذا كان نبي الله موسى -عليه السلام- ذهب إلى النار ليقتبس منها قبساً أو يأخذ جذوة أو يجد على النار هدىً، فإذا به ينادى ﴿ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ﴾ كانت المسألة مفاجأة وبغتة، فكان الأمر مدهشاً لنبي الله موسى ومخيفاً -عليه السلام- فناداه الله –تعالى- وعرفه بنفسه أنه: هو الله لا إله إلا هو... إلى آخره , ثم أراد الله - عز وجل-- أن يؤيده ويثبته ويعلمه كيف تكون المعجزة، فقال الله تعالى: ﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴾ ولم يسمها الله لم يقل ما تلك العصى ,﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴾ ما هذه التي في يمينك؟


وهذا الموقف يذكرنا بموقف سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم- حينما جاءه جبريل أول مرة في الغار مأموراً من الله -تبارك وتعالى- أن يقول له: اقرأ, فالله سبحانه وتعالى يعلم أن نبيه لا يقرأ. وجبريل يعلم ذلك أيضاً، ومع ذلك يأمره بما لا يستطيع، أراد الله بقوله ﴿ اقْرأْ ﴾ ليؤكد في نفس النبي -عليه الصلاة والسلام- وفي نفس من يسمع هذه القصة أنه - صلى الله عليه وسلم- كان لآخر لحظة قبل النبوة لا يقرأ ولا يعرف قراءة وليس عنده في حفظه ما يقرؤه, فإذا ما علم شيئاً يقرؤه شيئاً عظيماً أيقن أن هذا من عند الله، فلم يلقن علماً ثم قام ليعلمه , ولم يرى رؤيا ثم قام يحدث بها وإنما جاءه جبريل يقظة وقال له اقرأ، قال: ما أنا بقارئ ويضمه جبريل ضمة شديدة تبلغ من رسول الله -عليه الصلاة والسلام- الجهد والتعب، ضمة ملك ثم يرسله، أي: يتركه من بين ذراعيه ليكرر عليه الأمر ثانية ﴿ إقْرأْ ﴾، يقول: (ما أنا بقارئ) ويضمه ثم يرسله ﴿ إقْرأْ ﴾ الثالثة (ما أنا بقارئ) ويضمه ثم يرسله ثم يقول له: ﴿ إقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿1 ﴾ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿2 ﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ﴿3 ﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿4 ﴾ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿5 ﴾ ﴾ [العلق] ينطلق النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى بيته حيث خديجة وهو يرتعد وترتعد فرائسه أي أعلى كتفه من شدة الخوف وهول المفاجأة ليقول: حدث كذا وكذا وكذا، وأقرأني ﴿ إاقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ ويقرأ الآيات التي سمعها، من أين؟ لم تكن من حفظه أولاً ولم تكن عنده قبل ذلك، إنما جاءته تلك الساعة فيعلم أنها من قبل هذا المصدر, وليست في نفسه قبل ذلك، وليست من تعليم أحد له غير هذا الآتي الذي أتاه وعرف بعد ذلك أنه الوحي وأنه جبريل -عليه السلام- فكان السؤال ﴿ إقْرأْ ﴾ تقريراً وتحقيقاً أنه - صلى الله عليه وسلم- ما كان يقرأ ولا يعرف القراءة إلى تلك اللحظة التي جاءته فيها النبوة. كذلك سيدنا موسى -عليه السلام- يقول الله له ﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴾ الله يعلمها وموسى يعملها وكان السؤال لتحقيق موسى من العصا وليتأكد ويستوثق مما في يمينه فيوقن بأنها عصاه التي يعرفها، فإذا ما انقلبت حية أو ثعباناً يسعى يعلم أن هذا تغير من عند الله، وتحويل بإعجاز الله -تبارك وتعالى , أى شىء بيدك اليمنى يا موسى؟ فأجاب موسى بقوله - كما حكى القرآن عنه ( قَالَ هِيَ عَصَايَ ) أى : الشىء الذى بيمينى هو عصاى . . . ونسبها إلى نفسه لزيادة التحقق والتثبت من أنها خاصة به وكائنة بيده اليمنى ,ثم بين وظيفتها فقال : ( أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا ) أى : أعتمد عليها لتساعدنى فى حال السير , والتوكؤ على الشيء هو الاعتماد عليه عند المشي ونحوه، ولذلك لا يقال: أتوكأ على الجدار إنما أستند إلى الجدار. إنما التوكؤ يكون على العصا ونحوها , ﴿ وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي ﴾ أى وأضرب بها على الأغصان وأهزُّ بها الشجر اليابس ليسقط ، ورقة فترعاه أغنامى والهش أن يجعل الراعي عصاه المعقوفة ويقال لها العكاز التي التوى طرفها أن يضع عصاه المعقوفة في غصن الشجرة، ويهز الغصن حتى تتساقط الأوراق فتأكلها الأغنام والأنعام. فكان موسى -عليه السلام- يهش بعصاه الأشجار حتى يوفر الطعام للأغنام التي يرعاها وما من نبي إلا ورعى الغنم -عليهم جميعاً الصلاة والسلام- ( وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أخرى ) والمآرب : جمع مأربة كمظالم جمع مظلمة، وهي الحاجةُ والغرض أي لي فيها منافع وحاجات أخرى أقضيها بواسطة العصا. نقول : لا أرَب لى في هذا الشىء ، أى : لا حاجة لى فيه .



قال المفسرون: كان يكفي موسى عليه السلام أن يقول هي عصاي ولكنه زاد في الجواب وأضاف الى ذلك أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي لأن المقام مقام مباسطة يستدعي البسط والأطالة في الكلام إذ هو مقام حديث العبد مع خالقه ، والحبيب مع حبيبه , فقد كان ربه يكلمه بلا واسطة، فأراد أن يزيد في الجواب ليزداد تلذذاً بالخطاب، وكلام الحبيب مريحٌ للنفس ومُذْهبٌ للعَناء.


قال القرطبى : وفى هذه الآية دليل على جواب السؤال بأكثر مما سئل ،لأنه لما قال : ( وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى ) ذكر معانى أربعة وهى : إضافة العصا إليه ، وكان حقه أن يقول عصا ، والتوكؤ ، والهش ، والمآرب المطلقة ,فذكر موسى من منافع عصاه معظمها.


وقال الإمام ابن كثير عند تفسيره لقوله ( وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أخرى ) وقد تكلف بعضهم لذكر شىء من تلك المآرب التى أبهمت ، فقيل : كانت تضىء له بالليل ، وتحرس له الغنم إذا نام ، ويغرسها فتصير شجرة تظلله ، وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة .

والظاهر أنها لم تكن كذلك ، ولو كانت كذلك لما استنكر موسى صيرورتها ثعبانا ، ولما فر منها هاربا ، ولكن كل ذلك من الأخبار الإسرائيلية .



والعصا من عادة الأنبياء ومن سننهم ونبينا -عليه الصلاة والسلام- كان يحمل العصا يغرزها في الرمال أحياناً بين يديه ليصلي إليها كسترة ويضعها أحياناً ويضع عليها الثوب كالرداء الذي يكون على الكتفين ونحوه من ثوب يستتر وراءه ليقضي حاجته أحياناً في الخلاء، وأحياناً كان يمسكها وهو يفكر أو يحدث أصحابه فينكت بها في الأرض كما ورد في الأحاديث, فلها فوائد عظيمة. فسيدنا موسى -عليه السلام- كان يتوكأ على هذه العصا من ضمن المنافع ويهش بها على غنمه ﴿ وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي ﴾ إذن كان يرعى الأغنام، ونبينا -عليه الصلاة والسلام- كان يرعى الغنم أيضاً لقومه على قراريط أي على أموال قليلة .


( قَالَ أَلْقِهَا ياموسى ) قال - سبحانه - لموسى : اطرح يا موسى هذه العصا التى بيمينك لترى ما يكون بعد ذلك . ( فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تسعى ) .


فامتثل موسى أمر ربه ، ﴿ فَأَلْقَاهاَ ﴾ استجابة فورية لأمر الله – تعالى- وإن كان موسى وقد صار نبياً مكلماً ,لا يعلم حكمة إلقاء العصا فلم يقل: ولماذا ألقيها يا رب؟ وهذا درس نستفيده في الطاعة لله -سبحانه وتعالى- أنه ينبغي إذا سمعنا قال الله ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ينبغي أن نطيع فوراً واستسلاماً وإن لم نعلم الحكمة من الأمر أو الحكمة من النهي ﴿ قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى فَأَلْقَاهَا ﴾ وحرف الفاء في العطف يدل على الترتيب والتعقيب أي السرعة، استجاب موسى بسرعة ولم يفكر؛ لأن الله يكلمه ثقة في الله - عز وجل- ألقى عصاه، وهذا شأن المؤمنين دائماً يقولون: سمعنا وأطعنا , ﴿ فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى ﴾ فجأة إذا الفجائية فوجئ موسى -عليه السلام- بأن عصاه التي تحقق منها وعرفها وعهدها صارت حية تسعى وفي بعض الآيات الأخرى ﴿ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ﴾ , فالثعبان أو الحية الجنس واحد لا خلاف ولا تعارض فإذا هي حية تسعى أي تجري على الأرض , فألقاها على الأرض ، ونظر إليها فإذا هى قد تحولت بقدرة الله - تعالى - إلى " حية " - أى ثعبان عظيم - " تسعى " ، أى : تمشى على الأرض بسرعة وخفة حركة ووصفها - سبحانه - هنا بأنها ( حَيَّةٌ تسعى ) ، ووصفها فى سورة الشعراء بأنها ( ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ) ووصفها فى سورة النمل بأنها ( تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ ) ولا تنافى بين هذه الأوصاف ، لأن الحية اسم جنس يطلق على الصغير والكبير ، والذكر والأنثى ، والثعبان : هو العظيم منها ، والجان : هو الحية الصغيرة الجسم ، السريعة الحركة .


قال ابن عباس: انقلبت ثعباناً ذكراً يبتلع الصخر والشجر، فلما رآه يبتلع كل شيءٍ خافه ونفر منه وولَى هارباً، قال المفسرون: لما رأى هذا الأمر العجيب الهائل، لحقه ما يلحق البشر عند رؤية الأهوال والمخاوف، لا سيما هذا الأمر الذي يذهب بالعقول، وإِنما أظهر له هذه الآية وقت المناجاة تأنيساً له بهذه المعجزة الهائلة حتى لا يفزع إِذا ألقاها عند فرعون لأنه يكون قد تدرَّب وتعوَّد . فمن الحكم التى من أجلها حول الله - تعالى - العصا إلى حية تسعى : توطين قلب موسى - عليه السلام - على ذلك ، حتى لا يضطرب إذا ما تحولت إلى ثعبان عظيم عندما يلقيها أمام فرعون وقومه .

فقد جرت عادة الإنسان أن يقل اضطرابه من الشىء العجيب الغريب بعد رؤيته له لأول مرة.



وقد صرحت بعض الآيات أن موسى - عليه السلام - عندما رأى عصاه قد تحولت إلى ذلك ، ولى مدبرا ولم يعقب . قال - تعالى : ( وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ ولى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ . . . ) ولكن الله - تعالى - ثبت فؤاده ، وطمأن نفسه : ( قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ ) أى : خذ هذه الحية التى تحولت عصاك إليها ولا تخف منها ، كما هو شأن فى الطبائع البشرية ، فإنا ( سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا الأولى ) أى : سنعيد هذه الحية إلى هيئتها الأولى التى كانت عليها قبل أن تصير حية تسعى ، وهى أن نعيدها بقدرتنا التى لا يعجزها شىء إلى عصا كما كانت من قبل .

وقوله - تعالى - ( سِيَرتَهَا ) أى : سنعيدها إلى هيئتها وحالتها الأولى . بمجرد أن لسمتها يده عادت الحية عصا كما كانت وذلك ليتعلم موسى أن الله - عز وجل- حينما يفعل المعجزة؛ أو يؤدي المعجزة لرسوله ويجريها على يده يعلم أن المعجزة تغيير للحقائق؛ فهي تخالف السحر، السحر تخييل للعين بتغيير حقيقة الشيء ﴿ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾ [طه: 66]، لكن هذا ما كان تخيلاً كان سعياً حقيقياً، فالسحر تخييل للعين وإظهار للشيء على غير صورته الحقيقية إنما المعجزة قلب للحقيقة أو تحويل للحقيقة من صورة إلى صورة أخرى ربما لم تكن من جنسها فالحية ليست من جنس العِصي، فليست عصا، وليست العصا من الحيات, حول الله شيئاً إلى شيء آخر. والمعجزة كما عرفها العلماء: أمر خارق للعادة، يعني لا يفعله أي إنسان فلو ألقت الدنيا كلها عصياً في الأرض لن يتحول شيء من ذلك إلى حية حقيقية أو ثعبان حقيقي وقد حدث هذا مع سحرة فرعون ,اجتمع السحرة وألقوا حبالهم وعصيهم ولكن لم تتحول إنما خيل إلى الناس الناظرين لهذا المشهد خيل إليهم وإلى موسى -عليه السلام- من سحرهم أي: من سحر السحرة، أنها تسعى حركة وهمية شكل كشكل السعي, بينما ما كان من عصا موسى هذه المرة وفيما يأتي من مرات كان تحويلاً حقيقياً لأصل الشيء.


عدل سابقا من قبل maryam_m في السبت 22 نوفمبر 2008, 1:07 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
maryam_m




عدد المساهمات : 3
تاريخ التسجيل : 21/11/2008

الدروس المفرغة لتفسير سورة طه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدروس المفرغة لتفسير سورة طه   الدروس المفرغة لتفسير سورة طه I_icon_minitimeالسبت 22 نوفمبر 2008, 12:57 am

تفريغ الدرس الرابع


فالمعجزة: أمر خارق للعادة يظهره الله –تعالى- على يد أنبيائه ورسله تأييداً لهم. قد يكون هذا قبل النبوة أو بعدها إلا أنه قبل النبوة يسمى: إرهاصاً. الإرهاص: هو المعجزة قبل النبوة، ولكن تسمى إرهاصاً، أي: تمهيداً وبشرى بأن هذا الإنسان بأن هذا الرجل سوف يكون نبياً، أما بعد النبوة وبعد إتيان الرسالة فتكون معجزة. وعكس المعجزة الإهانة: هي أمر خارق للعادة أيضاً يظهره الله –تعالى- على يد مدعي النبوة كذباً ,إهانة له، كما وقع ذلك لمسيلمة الكذاب حينما سمع أن نبي الله محمداً -عليه الصلاة والسلام- رد عين أحد أصحابه التي أخرجت ردها مكانها وتفل فيها من ريقه الشريف فصحت وعادت كما كانت حتى يقول صاحبها: والله لكانت أصح من السليمة أي: من العين التي لم تصب، فظن مسيلمة أن المسألة بتفلة وبشيء من الريق، فراح يعمل لنفسه معجزة، فتفل في عين رجل المصابة فعميت العين السليمة، فأظهر الله على يد مسيلمة أمراً خارقاً للعادة؛ لكي يهينه بذلك، وليعلم الناس أنه ليس نبياً وليست هذه معجزة .


كانت العصا هي المعجزة الكبرى لموسى عليه السلام كما جاء في سورة النازعات ﴿ فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى﴿21 ﴾ فَكَذَّبَ وَعَصَى ﴾ [النازعات: 20] والكبرى مؤنث أكبر المذكر أكبر والمؤنث كبرى، فهذه الآية الكبرى؛ لأن الله بدأه بها وكان حالها عجيباً استعمل سيدنا موسى -عليه السلام- العصا حينما ناظر بها السحرة ألقى ما في يده ﴿ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴾ [الأعراف: 117]، أكلت حبال وعصي السحرة مع كثرتها أكواماً كثيرة فذُكر أن السحرة كانوا مئات وآلاف جمعوا من أنحاء مصر فعندهم حبال وعصي كثيرة جداً ابتلعتها حية موسى ثم عادت عصا مرة أخرى بالحجم الأول التي كانت عليه، فكانت معجزة عظيمة، ضرب بها الحجر - بإذن الله وأمره- حين استسقى لقومه ﴿ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً ﴾ [البقرة: 60]، ضرب بها البحر - بأمر ربه ووحيه- ﴿ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ العَظِيمِ ﴾ [الشعراء: 63]، ولذلك كانت العصا هي الآية الكبرى أكبر معجزة أوتيها سيدنا موسى -عليه السلام- ثم أعطاه الله معجزة أخرى.




.قال الله لموسى ﴿ وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ ﴾ الجناح من الإنسان هو العضد وما تحته إلى الإبط العضد الذي هو أعلى الذراع، ارتباط الذراع مع الكتف هذا هو العضد وما تحته من الإبط. وسمي جناحاً لأنه موضع الجناح من الطير. الجناح يكون في هذا المكان عند الطيور. قول الله تعالى: ﴿ آيَةً أُخْرَى ﴾ آية أخرى يعني معجزة أخرى، كانت المعجزة الأولى هي العصا, وكانت المعجزة الثانية والأخرى هي اليد،


والمراد باليد هنا : كف يده اليمنى .

والسوء : الردىء والقبيح من كل شىء ، وكنى به هنا عن البرص لشدة قبحه .
والمعنى : واضمم - يا موسى - يدك اليمنى إلى عضد يدك اليسرى بأن تجعلها تحته عند الإبط . ثم أخرجها فإنها تخرج ( بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سوء ) أى : تخرج منيرة مشرقة واضحة البياض دون أن يعلق بها أى سوء من برص أو مرض أو غيرهما ، وإنما يكون بياضها بياضا مشرقا بقدرة الله - تعالى وإرادته .
قال الحسن البصرى : أخرجها - والله - كأنها مصباح ، فعلم موسى أنه قد لقى ربه - تعالى - .



قال ابن كثير: كان إِذا أدخل يده في جيبه ثم أخرجها تخرج تتلألأ كأنها فلقة قمر من غير برصٍ ولا أذى

وقوله : ( تَخْرُجْ بَيْضَآءَ . . ) جواب الأمر وهو قوله : ( واضمم يَدَكَ ) .



وقوله : ( آيَةً أخرى ) أى : معجزة أخرى غير معجزة العصا التى سبق أن منحناها لك .

كما قال - تعالى - : ( واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرهب فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إلى فِرْعَوْنَ و@ددً8@C6ِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ ) .وقوله : ( لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الكبرى ) ، تعليل لمحذوف ، أى : فعلنا ما فعلنا من إعطائك معجزة العصا ومعجزة اليد ، لنريك بهاتين المعجزتين بعض معجزاتنا الكبرى الدالة على عظيم قدرتنا ، وانفرادنا بالربوبية والأولهية .



ثم صرح - سبحانه - بالمقصود من إعطاء موسى هاتين المعجزتين العظيمتين فقال : ( اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى ) أى : اذهب يا موسى ومعك هاتان المعجزتان ، فادعه إلى عبادتى وحدى ، ومره فليحسن إلى بنى إسرائيل ولا يعذبهم ، وانهه عن التجبر والظلم ، فإنه قد طغى وبغى وتجاوز حدود الحق والعدل ، وزعم الناس أنه ربهم الأعلى . فرعون لم يكفر كفراً عادياً، مجرد إنكار لله -سبحانه وتعالى- أو رد لرسالته أو تكذيب لرسوله موسى -عليه السلام- بل ادعى أنه إله وادعى أنه الرب الأعلى والإله الأوحد -لا إله إلا الله- فكان كفره طغياناً عظيماً، كما طغى على الخلق في ظلمهم واستعباد بني إسرائيل .


عدل سابقا من قبل maryam_m في السبت 22 نوفمبر 2008, 1:43 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
maryam_m




عدد المساهمات : 3
تاريخ التسجيل : 21/11/2008

الدروس المفرغة لتفسير سورة طه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدروس المفرغة لتفسير سورة طه   الدروس المفرغة لتفسير سورة طه I_icon_minitimeالسبت 22 نوفمبر 2008, 12:59 am

تفريغ الدرس الرابع

; اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾، هذا تكليف من الله تعالى وتوجيه إلى موسى -عليه السلام- وهو عائد من أرض مدين أن يحدد وجهته: توجه إلى فرعون أولاً لتدعوه ولتخلص بني إسرائيل من تحت وطأته، لكي يأخذ بني إسرائيل بعد ذلك إلى أرض أخرى فيعلمهم توحيد الله- سبحانه- والتبعية لرسوله -عليه السلام- والانتظام مع منهج الله في هذا الحياة فيرقى بهم ويسموا وليعزهم ويحررهم بعد استعبادهم تحت أقدام الفراعنة

دعا موسى ربه فقال: ﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴾ وكان هذا الدعاء استعانة على المهمة التي قال الله فيها لموسى: ﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ أى : أسألك يا إلهى أن توسع صدرى بنور الإيمان والنبوة ,و شرح الصدر المقصود به توسعته بنزع ما فيه من خواطر تضيقه وكأن موسى -عليه السلام- يطلب من ربه -سبحانه وتعالى- أن ينزع من قلبه شدة الغضب، وكان غضوباً في الحق، شديد الغضب لله، وللعدل، فكأنه في مواجهته لفرعون أراد أن يكون حليماً ليصبر على أذاه , وكان نبينا -عليه الصلاة والسلام- لا يغضب لنفسه أبداً كان على حلم عظيم ولكن كان يغضب حتى يظهر الغضب في وجهه ويحمر وجهه لو رأى حرمة من حرمات الله تنتهك ولو كان أمراً يستصغره الناس في أعينهم، دخل حجرته يوماً عند عائشة فرأى وسادة وكان غطاء الوسادة عليه صورة، فغضب -عليه الصلاة والسلام- حتى عرفت عائشة الغضب في وجهه فقامت إلى الوسادة وجذبتها وأخذت غطاءها وأزالت هذه الصورة حتى رضي النبي - صلى الله عليه وسلم- فكان يغضب إذا انتهكت حرمة من حرمات الله، ولكن لا بد مع الغضب ما يضبطه أو مما يضبطه من الحكمة والأناة وسعة الصدر والحلم , ولذلك طلب موسى أن يزوده ربه بهذه الكرامة ﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴾ اجعله واسعاً يتحمل ما ألاقي من فرعون وقومه. كان موسى عليه السلام قوياً في البدن قوياً جداً بلغت قوته إلى أنه حينما وكز الرجل القَبَطِي وكزه لكي يبعده ويقصيه فقط ولكن سقط المصري ومات إذن كانت وكزة موسى قاتلة وكزة شديدة طبيعته هكذا -عليه السلام- وكان شديد الغضب في الحق لا يتحمل أن يرى منكراً أو ظلماً ولذلك حينما أمره الله بالتوجه إلى فرعون ويعرف فرعون وظلمه ,قال: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴿12 ﴾ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي ﴾ ليس لأنهم كذبوه ولكن لأنهم كذبوا رسالة الله، فربما لا يتحمل هذا الموقف فيعجل بشيء لا يرضي الله - عز وجل- أو لا يكون ملائماً لمقام النبوة ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴿12 ﴾ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي ﴾ [الشعراء: 12، 13] من الغضب ينعقد اللسان فلا ينطق النطق المفهم ﴿ فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ ﴾ [الشعراء: 13


( وَيَسِّرْ لي أَمْرِي ) أى : وسهل لى ما أمرتنى به ، فلا طاقة لى بحمل أعباء هذه الرسالة والدعوة .


( واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُواْ قَوْلِي ) دعاء ثالث تضرع به موسى عليه السلام إلى خالقه - تعالى - أى : وأسألك يا رب أن تحل عقدة من لسانى حتى يفهم الناس قولى لهم ، وحديثى معهم ، فهما يتأتى منه المقصود .


وقد روى أنه كان بلسانه حبسة ، ويؤيده قوله - تعالى - فى آية أخرى : ( وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إني أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ )

قال ابن كثير : " ذلك لما كان أصابه من اللثغ ، حين عرض عليه - فرعون - التمرة والجمرة ، فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه .


قال المفسرون: عاش موسى في بيت فرعون فوضعه فرعون مرة في حِجْرهِ وهو صغير فجرَّ لحية فرعون بيده فهمَّ بقتله، فقالت له آسية: إِنه لا يعقل وسأريك بيان ذلك، قدّمْ إِليه جمرتين ولؤلؤتين، فإِن أخذ اللؤلؤة عرفت أنه يعقل، وإِن أخذ الجمرة عرفت أنه طفل لا يعقل، فقدَّم إِليه فأخذ الجمرة فجعلها في فيه فكان في لسانه حَبْسة .


وما سأل أن يزول ذلك بالكلية ، بل سأل قدر الحاجة بحيث يحصل لهم فَهْم ما يريد ولو سأل الجميع لزال ، ولكن الأنبياء لا يسألون إلا بقدر الحاجة ، ولهذا بقيت بقية .

قال الحسن البصرى : سأل موسى ربه أن يحل عقدة واحدة من لسانه ، ولو سأل أكثر من ذلك لأعطى .



﴿ وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي ﴾ دعاء آخر تضرع به موسى عليه السلام إلى ربه فى أمر خارجى عنه ، بعد أن دعاه فى أمر يتعلق بصدره ولسانه ..

أى : وأسالك - يا إلهى - أن تجعل لى " وزيرا " أى : معينا وظهيرا من أهلى فى إبلاغ رسالتك ، وهذا الوزير المعين هو أخى هارون ، الذى أسألك أن تقوى به ظهرى ، وأن تجعله شريكا لى فى تبليغ رسالتك ، حتى نؤديها على الوجه الأكمل ، وكأن موسى - عليه السلام - قد علم من نفسه حدة الطبع ، وسرعة الانفعال ، فالتجأ إلى ربه لكى يعينه بأخيه هارون ، ليقويه ويتشاور معه فى الأمر الجليل الذى هو مقدم عليه ، وهو تبليغ رسالة الله إلى فرعون الذى طغى وبغى وقال لقومه أنا ربكم الأعلى .



وقوله : ( وَزِيراً ) من الموازرة وهى المعاونة . يقال : وازرت فلانا موازرة ، إذا أعنته على أمره ، أو من الوزر - بفتح الواو والزاى - وهو الملجأ الذى يعتصم به الإنسان لينجو من الهلاك ,أي: اجعلي مؤازراً، مقوياً، معيناً، ومنها قوله تعالى: ﴿ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ﴾ أصل الأزر هو الظهر، والإنسان إذا أراد أن يتقوى على عملٍ ما شدًّ أزره وربط ظهره برباط، يلف حول وسطه شيئاً ما يشده على ظهره ليتقوى على ذلك على العمل، وسمي الثوب الذي يستر أسفل البدن إزاراً؛ لأنه يعقد عند الأزر أي عند أول الظهر.


{وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} أي اجعله شريكاً لي في النبوة وتبليغ الرسالة {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} أي كي نتعاون على تنزيهك عما لا يليق بك ونذكرك بالدعاء والثناء عليك {إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا} أي عالماً بأحوالنا لا يخفى عليك شيء من أفعالنا، فأنت المطلع على حالنا وعلى ضعفنا ، وأنت العليم بحاجتنا إليك وإلى عونك ورعايتك .

بهذه الدعوات الخاشعات ابتهل موسى إلى ربه ، وأطال الابتهال فى بسط حاجته ، وكشف ضعفه فطلب من ربه أن يعينه بأخيه يشدُّ به أزره، لما يعلم منه من فصاحة اللسان، وثبات الجنَان، وأن يشركه معه في المهمة لما يعلم من طغيان فرعون وتكبره وجبروته.



فكانت النتيجة أن أجاب الله له دعاءه ، وحقق له مطالبه ، وذكره ببعض مننه عليه فقال - تعالى :


قَالَقَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)




أى : قال الله - تعالى - لموسى بعد أن ابتهل إليه - سبحانه: لقد أجبنا دعاءك يا موسى ، وأعطيناك ما سألتنا إياه .وقوله - تعالى - : ( وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أخرى ) تذكير منه - سبحانه - لموسى ، بجانب من النعم التى أنعم بها عليه ، حتى يزداد ثباتا وثقة بوعد الله - تعالى - ولذا صدرت الجملة بالقسم .

أى : وبعزتى وجلالى لقد مننا عليك ، وأحسنا إليك ( مَرَّةً أخرى ) قبل ذلك ، ومنحناك من رعايتنا قبل أن تلتمس منا أن نشرح لك صدرك ، وأن نيسر لك أمرك



﴾ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى ﴿37 ﴾ ثم فصل - سبحانه - هذه المنن التى امتن بها على عبده موسى ، فذكر ثمانية منها : أما أول هذا المنن فتتمثل فى قوله - تعالى - : ( إِذْ أَوْحَيْنَآ إلى أُمِّكَ مَا يوحى ) .و ( إِذْ ) ظرف لقوله ( مَنَنَّا ) والإيحاء : الإعلام فى خفاء . . . وإيحاء الله - تعالى - إلى أم موسى كان عن طريق الإلهام أو المنام أو غيرهما .وقيل الوحى إلى أم موسى : إما أن يكون على لسان نبى فى وقتها ، كقوله - تعالى : ( وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحواريين ) أو يبعث إليها ملكا لا على وجه النبوة كما بعث إلى مريم . أو يريها ذلك فى المنام فتتنبه عليه أو يلهمها كقوله - تعالى - : ( وأوحى رَبُّكَ إلى النحل ) أى : أوحينا إليها أمرا لا سبيل إلى التوصل إليه ، ولا إلى العلم به ، إلا بالوحى .

والمعنى : ولقد مننا عليك يا موسى مرة أخرى ، وقت أن أوحينا إلى أمك بما أوحينا من أمر عظيم الشأن ، يتعلق بنجاتك من بطش فرعون . ( أَنِ اقذفيه فِي التابوت فاقذفيه فِي اليم فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ . . . )

.

والمراد بالقذف هنا : الوضع ، والمراد به فى قوله ( فاقذفيه فِي اليم )


الإلقاء فى البحر وهو نيل مصر .

والتابوت : الصندوق الذى يوضع فيه الشىء .
أي لقد كان من رعايتنا لك يا موسى أن أوحينا إلى أمك عندما خافت عليك القتل أن ضعى ابنك فى التابوت ، ثم بعد ذلك اقذفيه بالتابوت فى البحر ، وبأمرنا وقدرتنا يلقى اليم بالتابوت على شاطىء البحر وساحله ، وفى هذه الحالة يأخذه عدو لى وعدو له ، وهو فرعون الذى طغى وقال لقومه أنا ربكم الأعلى .



وذلك حينما كان موسى عليه السلام طفلاً وأراد فرعون أن يقتله كما كان يقتل ذكور بني إسرائيل الغلمان الصغار فحماه الله –تعالى- بسياج رقيق من المحبة ألقاه في قلب امرأة فرعون فتركه فرعون ليكون قرة عين لامرأته حيث كانت لا تنجب وربى الله موسى على عينه في بيت عدوه وعلى مائدة عدوه فرعون وحتى كَبِرَ وصار شاباً كبيراً وحدث منه ما حدث من قتل الرجل القَبَطيّ فدله الله –تعالى- بواسطة رجل خرج لينصحه بأن فرعون يريد قتله فخرج موسى -عليه السلام- من مصر قاصداً أرضاً أخرى فكان التوجه بفضل الله وتدبيره إلى أرض مدين وبهذا نال غربة وكربة في السفر والانتقال وهذا كان كالعقوبة له على قتل هذه النفس، واستفاد العلماء من هذا تعظيم الله تعالى لقدر النفس البشرية وإن كانت على غير دين التوحيد فالنفس لا تقتل إلا بحق لأن هذا الرجل الذي قتل وإن كان بغير قصد لم يكن صاحب شريعة ولم توجه له رسالة ليكفر بها أو يؤمن إنما كان -كما يقال- من أهل الفترة يعني: لم يبعث له نبي فنفسه نفس معصومة حتى يخاطب بالرسالة فيكفر فيستباح الجهاد معه هذا والله تعالى أعلى وأعلم.


فأهل الفترة هم الذين لم يأتهم رسول ولم تنزل إليهم رسالة، فلم يحضروا وصول رسول إليهم ليكلمهم برسالة الله ماتوا قبل بعثة رسول معين فيما بين رسولين ولم يأتهم رسول في حياتهم لم يسمعوا بدعوة السماء فهؤلاء أهل فترة يعني أهل زمان فتر فيه الوحي وانقطع، فلم يحضروا وحي السماء لا من سابق ولا من لاحق. فمثلاً الناس في زماننا لم يروا رسولاً ولم يحضروا نزول رسالة ولكن هم مخاطبون بالرسالة التي أنزلت على نبي الله محمد - صلى الله عليه وسلم- نحن مكلفون بذلك. هؤلاء مثلهم مثل والد النبي - صلى الله عليه وسلم- وأمه والذين ماتوا قبل أن يكون محمد بن عبد الله رسولاً ماتوا من العرب قبل مجيئ الرسالة الخاتمة هؤلاء اسمهم أهل فترة أي لم يأتهم وحي، وقوله - سبحانه - ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي ) بيان للمنة الثانية . أى : وألقيت عليك محبة عظيمة كائنة منى - لا من غيرى - قد زرعتها فى القلوب ، فكل من رآك أحبك .أي زرعتُ في القلوب محبتك بحيث لا يكاد يصبر عنك من رآك حتى أحبَّك فرعون، ولقد كان من آثار هذه المحبة : عطف امرأة فرعون عليه ، وطلبها منه عدم قتله ، وطلبها منه كذلك أن يتخذه ولدا,و من آثار هذه المحبة أن يعيش موسى فى صغره معززا مكرما فى بيت فرعون مع أنه فى المستقبل سيكون عدواله,وهكذا رعاية الله - تعالى - ومحبته لموسى جعلته يعيش بين قوة الشر والطغيان آمنا مطمئنا .

قال ابن عباس : أحب الله - تعالى - موسى ، وحببه إلى خلقه



وقوله - تعالى - : ( وَلِتُصْنَعَ على عيني ) بيان للمنة الثالثة . .

أى : أوحيت إلى أمك بما أوحيت من أجل مصلحتك ومنفعتك وألقيت عليك محبة منى ، ليحبك الناس ، ولتصنع على عينى . أى : ولتربى وأنت محاط بالحنان والشفقة تحت رعايتى وعنايتى وعينى ، كما يراعى الإنسان بعينه من يحبه ويهتم بأمره .
وهذا ما حدث لموسى فعلا ، فقد عاش فى طفولته تحت عين فرعون ، وهو عدو الله - تعالى - ومع ذلك لم تستطع عين فرعون أن تمتد بسوء إلى موسى ، لأن عين الله - تعالى - كانت ترعاه وتحميه من بطش فرعون وشيعته {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} أي ولتُربّى بعين الله بحفظي ورعايتي . ثم بين - سبحانه - المنة الرابعة على موسى فقال : ( إِذْ تمشي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ على مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ . . .

) .

وكان ذلك بعد أن التقط آل فرعون موسى من فوق الشاطىء ، وبعد أن امتنع عن الرضاعة من أى امرأة سوى أمه , فتمشي أختك وتتَّبع أثرك فتقول لآل فرعون حين طلبوا لك المراضع: هل أدلكم على من يضمن لكم حضانته ورضاعته؟ قال المفسرون: لمّا التقطه آل فرعون جعل لا يقبل ثدي امرأة لأن الله حرَّم عليه المراضع، وبقيت أُمه بعد قذفه في اليم مغمومة، فأمرت أخته أن تتَّبع خبره، فلما وصلت إلى بيت فرعون ورأته قالت: هل أدلكم على امرأة أمينة فاضلة تتعهد لكم رضاع هذا الطفل؟ فطلبوا منها إِحضارها، فأتت بأم موسى، فلما أخرجت ثديها التقمه، ففرحت زوجة فرعون فرحاً شديداً، وقالت لها: كوني معي في القصر فقالت: لا أستطيع أن أترك بيتي وأولادي ولكنْ آخذه معي وآتي لك به كل حين فقالت: نعم وأحسنت إِليها غاية الإِحسان . ( فَرَجَعْنَاكَ إلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ ) أي رددناك إِلى أمك لكي تُسرَّ بلقائك، ويمتلىء قلبها فرحا بلقائها بك بعد أن ألقتك فى اليم ، وتطمئن بسلامتك ونجاتك، ولكيلا تحزن على فراقك . ثم حكى - سبحانه - المنة الخامسة فقال : ( وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الغم ) أي قتلت القبطي حين أصبحت شاباً, وكان ذلك عندما استنصر به رجل من قومه على رجل من أعدائه . وقتلت نفسا هى نفس القبطى ، عندما استعان بك عليه الإسرائيلي فنجيناك من الغم الذى نزل بك بسبب هذا القتل . فنجيناك من غمّ القتل وصرفنا عنك شرَّ فرعون وزبانيته، وفي صحيح مسلم: وكان قتله خطأً قال الآلوسى : وقد حل له هذا الغم من وجهين : خوف عقاب الله - تعالى - حيث لم يقع القتل بأمره - سبحانه - وخوف القصاص ، وقد نجاه الله من ذلك بالمغفرة حين قال : ( رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغفر لِي فَغَفَرَ لَهُ ) وبالمهاجرة إلى مدين .



وقوله - عز وجل - : ( وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً ) بيان للمنة السادسة التى امتن الله - تعالى - بها على موسى - عليه السلام - .

والفتون : جمع فَتْن كالظنون جمع ظن . والفتن : الاختبار والابتلاء نقول : فتنت الذهب بالنار ، أى : أدخلته فيها لنعلم جودته من رداءته .
والمعنى : واختبرناك وابتليناك - يا موسى – ابتلاءا عظيما بألوان من الفتن والمحن . وجعل - سبحانه - هذا الفتن والاختبار من المنن ، باعتبار أن الله - تعالى - ابتلاه بالفتن ثم نجاه منها ، ونجاه من شرورها .



وقوله - تعالى - : ( فَلَبِثْتَ سِنِينَ في أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ على قَدَرٍ ياموسى ) أى : فلبثت عشر سنين فى قرية أهل مدين ، تعمل كأجير عند الرجل الصالح . ثم جئت بعد ذلك إلى المكان الذى ناديتك فيه ( على قَدَرٍ ) أى على وفق الوقت الذى قدرناه لمجيئك ، وحددناه لتكليمك واستنبائك ، دون أن تتقدم أو تتأخر ، لأن كل شىء عندنا محدد ومقدر بوقت لا يتخلف عنه ,قال - تعالى - : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) وقال - سبحانه - : ( وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ ) وقال - عز وجل - : ( وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً ) ثم ذكر - سبحانه - المنة الثامنة : فقال : ( واصطنعتك لِنَفْسِي ) أى : اخترتك لرسالتي ووحيي وجعلتك محل صنيعتى وإحسانى ، حيث اخترتك واصطفيتك لحمل رسالتى وتبليغها إلى فرعون وقومه ، وإلى قومك بنى إسرائيل .

فالآية الكريمة تكريم عظيم لموسى - عليه السلام - اختاره الله - تعالى - واجتباه من بين خلقه لحمل رسالته إلى فرعون وبنى إسرائيل .



هذه ثمانى منن ساقها الله - تعالى - هنا مجملة ، وقد ساقها - سبحانه - فى سورة القصص بصورة أكثر تفصيلا ، ومن ذلك قوله - تعالى - : ( وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليم وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تحزني إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المرسلين فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ وَقَالَتِ امرأة فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عسى أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ) وبعد أن ذكر - سبحانه - بعض المنن التى امتن بها على نبيه موسى - عليه السلام - أتبع ذلك بذكر بعض التوجيهات التى أمره بفعلها ، حيث كلفه بتبليغ الدعوة إلى فرعون ، فقال - تعالى -

اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ......الخ


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لااله الا أنت استغفرك وأتوب اليك


عدل سابقا من قبل maryam_m في السبت 22 نوفمبر 2008, 1:08 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الدروس المفرغة لتفسير سورة طه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الدروس دورة(المرأة وطلب العلم)
» تلاخيص دورة تفسير سورة مريم
» درس مراجعة تفسير سورة مريم على شكل سؤال وجواب
» اسئلة الواجب وحلولها لدورة تفسير سورة مريم
» تلخيص الدرس العاشر والاخير من دورة تفسير سورة الكهف

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشيخ أبوالبراءالأحمدى :: الفئة الأولى :: القرآن الكريم وتفسيره-
انتقل الى: